يقدم رئيس الوزراء “المكلف” فايز الطراونة اليوم خطة حكومته، ورؤيته أمام مجلس النواب، طالبا ثقة أعضاء المجلس على أساسها.
والرئيس أمام حالة صعبة نسبيا، فهو، من ناحية، يريد ثقة نواب، يعرفون أن عليهم قريبا العودة للقواعد، أملا في الحصول على فرصة أخرى بالعودة للقبة، ومن ناحية يعرف الرئيس أن من واجبه اتخاذ قرارات جريئة غير شعبية، لردم عجز الموازنة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العجز الاقتصادي.
والحكومة تعي أنها امام معادلة شديدة التعقيد، فهي تريد الثقة من مجلس نواب “مروّح”، وتقول له أن لا مناص من رفع الأسعار، ولذلك فهي تعقد الاجتماع تلو الاجتماع مع لجان المجلس، للوصول لصيغة رفع، لا تؤثر على أصحاب الدخول المتدنية.
في هذا الصدد، فإن الرئيس الطراونة، وطاقمه، لا يقدمان اليوم رؤيتهما الإصلاحية والاقتصادية للنواب فحسب، وإنما للرأي العام بكل تلاوينه، وللحراك الشعبي، والأحزاب، وكل قوى المجتمع.
فما سيقوله الطراونة من منبر النواب سيكون بكل تأكيد موجها للجميع، فإن تحدث عن الإصلاح، فإن هناك قوى مجتمعية تريد أن تسمع وتعرف ما في جعبة الرئيس في هذا الشأن، وان تحدث في الاقتصاد فأن كل فرد من افراد الشعب مهتم به.
لذا، فإن الرئيس “المكلف”، عليه قطف ثمار ذلك جيدا، وتقديم رؤيته بكل تفاصيلها، والحديث بشفافية عن كل ما تؤمن به حكومته بعيدا عن شعارات الإنشاء والتعبير، التي ملها شعبنا الأردني، أو الاختباء وراء كتاب التكليف فقط، وعدم “تشفير” الرسائل المزمع إرسالها والتحدث حولها بوضوح.
في الجانب الإصلاحي، مثلا، فإن الحكومة عليها التسليم بأن قانون الانتخاب الموجود حاليا في مجلس النواب هو ابنها، وعليها الدفاع عنه أمام المجلس، وإقناع الإطراف به.
ما يدور حاليا في غرف صنع القرار المغلقة ينبئ بانقلاب على صيغة نظام الانتخاب، التي أرسلتها الحكومة المستقيلة إلى مجلس النواب، والتي تمثلت بصوتين للدائرة وصوت للقائمة، ويتمحور جوهر الانقلاب الذي يجري طبخه على نار هادئة بالعودة إلى صوت واحد للدائرة، وصوت آخر للقائمة، مع التوسع بقائمة الدائرة لتصبح ما بين 25 إلى 30 مقعدا، بدلا من 15، وفتحها وعدم حصرها بالحزبيين.
سؤالنا، وهو برسم إجابة الحكومة ودوائر أخرى، لماذا يجري الانقلاب على الصيغة، التي أرسلتها الحكومة السابقة؟! والجميع يعرف أن تلك الصيغة هي نتاج توافق بين دوائر صنع القرار المختلفة؟!، وان الحكومة السابقة، كانت تتبنى فكرة 3 أصوات للدائرة وصوت للقائمة، وان رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة، كان مع النظام الانتخابي، الذي جرت بموجبه انتخابات العام 1989.السؤال: ألم تشارك دوائر صنع القرار المختلفة بالتوصل إلى الصيغة المرسلة لمجلس النواب حول قانون الانتخاب؟! الم، تتعهد تلك الدوائر بالدفاع عن الصيغة المقترحة ما أمكن؟.
كيف لنا أن نقول قبل شهر ونيف اننا دفنا نظام الصوت الواحد وبلا عودة، ونهلل ونطبل لهذا الأمر، ونقيم اللقاءات والمناظرات، ثم بعد ذلك نفاجأ بوجود من يعمل، عبر الطرق الخلفية، على عودة الصوت الواحد إلى الواجهة؟! دون أن يكون للحكومة موقف؟!
لا نريد خطة حكومية مرتبكة، بلا هدف، وإنما نريد لها أن تكون واضحة ما أمكن، وان تقدم للنواب والناس والرأي العام والجميع رؤية، تنطلق من رؤى الملك في الإصلاح، رؤية لا تقوم على المحافظة والتردد.
الملك في كل خطاباته وتوجيهاته ولقاءاته مع النواب والأعيان يتحدث عن إصلاح شمولي، مبني على الديمقراطية الحقة، الديمقراطية التي تؤمن وصول نواب ممثلين لكل شرائح المجتمع، وصولا إلى دولة الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية والمواطنة، بعيدا عن الاصطفاف العشائري والجهوي والمناطقي والإقليمي.
نريد إصلاحا ينقلنا إلى مطارح يصبح فيها الوطن حاضنا للجميع، ونبتعد به عن فكر الفرد، والعشيرة والمصالح الضيقة، ونؤمن به نوابا لهم قدرة التأثير على الشارع، والتواصل مع الجميع.
امام كل هذا، وبعد أن استمعنا لشرائح المجتمع المختلفة، التي طالبت بإلغاء الصوت الواحد، من حقنا أن نسأل، لماذا يجري الآن العمل في دوائر مغلقة على إعادة التفكير بالصوت الواحد، ويجري خلق فريق نيابي يدفع في هذا الاتجاه؟!
أليس من مصلحتنا “دفن” الصوت الواحد، الذي سيبقينا في المربع عينه، ويبقي قوى سياسية وشعبية مؤثرة في الشارع، بدلا من نقلها من هناك إلى قبة البرلمان؟!هل نريد أن نجري الانتخابات فقط؟!، دون الالتفات الى أين وصلنا في الإصلاح؟
وماذا حققنا في هدفنا المتمثل، بالانتقال من مربع إلى آخر؟!!.
إن واصلنا عملنا بطريقة “حرق المراحل”، دون تحديد هدف واضح، ودون فتح طاقة الإصلاح الحقيقي على مصراعيها، فان مجلس النواب المقبل سيكون عرضة للحل بعد عام فقط من انتخابه، لأننا سنكون في تلك الحال قد أجرينا الانتخابات والسلام، دون أن نفكر بالطريقة، التي من شأنها نقل الجميع من الشارع الغاضب، إلى قبة برلماننا للحوار، والأخذ والرد، فهل نفعل؟
الغد