الاعتراف وحده لا يكفي

تتوالى شهادات أركان الإدارة الأميركية في عهد بوش الابن حول الظروف والمعطيات التي قادت تلك الإدارة لشن حربها على العراق.
ولم يعف اعتراف بعض أركان إدارة بوش الابن بخطأ قرار حرب العراق وبطلان المزاعم التي سوقتها لشنه لأنه من مسؤوليتهم القانونية والأخلاقية وما ترتب على قرار الحرب من خسائر بشرية ومادية ألحقت أفدح الخسائر بالعراقيين، وحولت بلدهم إلى بلد منكوب لم يتعافَ من جراحه رغم مرور نحو عقد من الزمن.
فبعد كتاب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جورج تينت (في قلب العاصفة) الذي أكد فيه أن قرار الحرب على العراق أتخذ بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر جاءت رواية وزير الخارجية الأميركي كولن باول في كتابه الموسوم (دروس في الحياة والقيادة) الذي نشرت بعض فصوله لتضيف دليلا إضافيا على أن الاتهامات التي وجهتها إدارة بوش للعراق بامتلاكه أسلحة دمار شامل كانت غير صحيحة، وجرى فبركتها وتوظيفها لتمرير قرار الحرب.
فباول في روايته للأحداث التي سبقت غزو العراق يشير إلى أن بوش الابن حاول ربط علاقة العراق بأحداث سبتمبر بعد مرور يوم واحد من وقوعها في مسعى لحشد التأييد لقرار الحرب على العراق.
ويصف ملف أسلحة الدمار الشامل الذي أعده البيت الأبيض بأنه كارثة وغير متماسك، ويفتقر إلى المعلومات الدقيقة، كاشفًا أن مدير مكتب نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني هو من كتب التقرير.
وعندما نسلط الضوء على جانب من مسار الأحداث التي دفعت إدارة بوش لغزو العراق نستذكر العرض الذي قدمه كولن باول عندما كان وزيرا للخارجية في الأمم المتحدة قبيل الحرب حول أسلحة الدمار العراقية والشبهات حول نقلها في حاويات تجوب شوارع العراق الذي انضم إلى جوقة المروجين للذهاب إلى الحرب.
غير أن باول وبعد مرور سنوات على الغزو يصف خطابه بالأمم المتحدة “بأنه كان واحدا من أكثر إخفاقاتي جسامة، وهو إخفاق ذو تأثير أوسع نطاقا من غيره”.
ويضيف (يتملكني غضب شديد عندما يتهمني المدونون بالكذب وبأنني كنت أعرف أن المعلومات كانت خاطئة).
فقرار الحرب على العراق بنظر كولن باول لم يكن مدروسًا وكان يعكس رغبة الرئيس ونائبه وبعض أركان إدارته في عملية خداع وتضليل للرأي العام الأميركي وبعده العالمي حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل.
فهذا القرار وحده لا يكفي وإنما ينبغي على الإدارة الأميركية التي خلفت إدارة بوش أن تعالج تركة إدارة بوش الابن وما سببه من خسائر للعراق أرضا وشعبا.
وبتقديرنا إن أولى هذه المعالجات هي تقديم اعتذار رسمي للشعب العراقي عن غزو لم يكن مبررا، ولم يستند إلى أي دليل وتعويض العراق عن الخسائر التي لحقت ببنيته التحتية والبشرية والمساهمة في إعادة إعماره وبنائه.
والمسؤولية الأخلاقية والقانونية تستوجب مساءلة ومحاسبة من روجوا وقدموا معلومات مضللة عن أسلحة العراق المزعومة وتقديمهم للقضاء من فرط فعلتهم التي أدخلت العراق والعالم في حالة عدم استقرار منذ قرار حربهم عام 2003 وحتى الآن.
ونخلص إلى القول إن محاولة التنصل عن مسؤولية المشاركة بقرار الحرب على العراق عبر اعترافات متأخرة لا تكفي للتنصل عن هذه المسؤولية لأن الآثار المدمرة التي ألحقها قرار الحرب على العراق ما زالت ماثلة للعيان وتتفاعل على أكثر من صعيد ولا تحتاج إلى دليل.