انتقلنا من مرحلة بحبوحة العيش والانفاق اكثر مما نطيق الى مرحلة تدني قدراتنا على الوفاء بالتزاماتنا على مستويات الفرد والمؤسسة والاقتصاد، وهذا الوضع يحتاج الى البحث في اولويات ضبط النفقات لوقف انهيار مالي باتت ملامحه بادية للمراقبين والمسؤولين في كافة المواقع العامة والخاصة، وفي مقدمة هذه الاولويات الاسراع ودونما إبطاء في معالجة المؤسسات المستقلة التي تستحوذ على 1.8 مليار دينار وبعجز سنوي يبلغ حوالي 375 مليون دينار، ويبلغ عددها 62 مؤسسة يتنازع بعضها المسؤولية والمرجعيات بما يؤدي الى انتاجية اغلبها ويتحمل وزرها دافع الضريبة والمواطنون من خلال اقتراض محلي لجسر الفجوة التمويلية لهذه المؤسسات.
المؤسسات الـ 62 تفرخ من حولها شركات ومؤسسات اصغر تكلفنا اموالا طائلة في ظل ظروف شديدة الصعوبة ماليا، ومعظم هذه المؤسسات اسست في ظل ظروف مالية واقتصادية افضل وكان المؤمل ان تعزز الايرادات الا ان الواقع يؤكد عكس ذلك وهذا يتبين جليا من خلال حجم موازنتها السنوية الذي يناهز 27% نسبة الى الموازنة العامة للدولة اي اننا امام موازنتين حكوميتين دون مبررات، وهذه المؤسسات تحمل الاقتصاد والاردنيين اموالا طائلة إما من الضرائب او القروض او المنح والمساعدات وهي في نهاية المطاف هدر كبير حري بالحكومة ان تتخذ قرارات جريئة لتصويب اختلالات تم الحديث عنها سابقا ولم تجد من يعلق الجرس.
اعادة الهيكلة والتعامل معها طرحته ثلاث حكومات سابقة وكانت النتيجة مكانك راوح تحت ضغط هزيل مارسه البعض من وراء الابواب وعلى مكاتب فارهة يستمتعون بالتكييف على حساب البلاد والعباد وعلى حساب الاجيال القادمة، ويقينا ان حكومة الرئيس الطراونة وان كانت انتقالية لاهداف محددة، الا انها معنية بوقف سيل العجوز المالية والمديونية الجارفة حسب التكليف الملكي للحكومة بمواصلة الاصلاح الاقتصادي بالتوازي مع الاصلاح السياسي، وان اجراء سريعا للدمج بين المؤسسات المتماثلة الاهداف وتقليص عددها الى 30 مؤسسة، وان هناك امكانية لخفض ثلث موازنتها اي نحو 600 مليون دينار، وهذا الرقم مؤثر في هذه المرحلة بالذات.
ومن الاولويات الاخرى تعديل قانون ضريبة الدخل المؤقت الحالي برفع ضريبة الدخل على البنوك والاتصالات والتعدين لاستعادة اموال طائلة يفترض انها حق المالية العامة، والتوجه لفرض ضرائب نوعية جديدة على السلع الكمالية والمشروبات والمركبات الفارهة فالاقتصاد وسلامة النظام المالي يسبق من حيث الاهمية اية اتفاقيات، ومن يريد ان يستهلك السلع الكمالية ان يدفع اكثر فالغنم بالغنم والغرم بالغرم، وهذا يوفر العدالة للجميع ويمتن الاقتصاد في ظل ظروف قاسية علينا جميعا تحملها والتعاون بشأنها.
وفي نهاية المطاف يمكن للحكومة بعد ذلك البحث في تخفيض دعم هنا او هناك من مشتقات نفطية وكهرباء وغيرها، عندها ستجد هذه الحكومة وغيرها من الحكومات من يقف احتراما واعترافا بما قامت به وهذا هو المأمول.
الدستور