يتجاوز الطرح الأميركي والغربي عموماً, وضمنه بعض العربي والإقليمي مسألة المراقبين، في تحضير لمرحلة ما بعدهم، بل يتعامل خطابهم مع المعطيات على هذا الأساس.
وما نطرحه ليس استباقاً.. لكنه محاولة لفهم ملابسات الكثير من المواقف التي لا تكتفي بما تحمله من غموض، بل تصل إلى حد طرح الموقف ونقيضه في الآن ذاته.
هذا الأمر ليس أحجية ولا هو لغز، إنما حديث واضح في سياق قراءة المواقف الغربية وبعض العربية والإقليمية، والتي يجمعها مناصبة العداء لسورية ودعم الإرهابيين لاستمرار سفك الدم السوري.
في البداية، الجميع يدرك أن حربهم على مهمة أنان بدأت منذ الأيام الأولى لانطلاقها، ولم يكن الالتزام بها وارداً حتى في الشكل، فكيف هو الوضع مع المضمون؟! وفيما نسمع دعمهم للمهمة نجد على الأرض كل ما من شأنه تقويض المهمة وإجهاض عمل المراقبين وصولاً إلى إعلان فشلها عبر تكثيف في النشاط الإرهابي!!
فلا تهديدات المسلحين للمراقبين واعتبارهم شهود زور أثارت قلق الغرب ولا إعلان «الشقفة» عن أن الحل بالسلاح أيقظ مخاوفهم مثلما أن تورط قطر والسعودية في دعم الإرهابيين وتركيا في استضافتهم وتسهيل تسليحهم لم يثر ردة فعلهم . . حيث تترجم اليوم باستهداف المراقبين بالعبوات الناسفة وباطلاق النار في أكثر من موقع.
وفق هذا المعطى الواضح فإن المهمة لم تعد واردة في حسابات تلك الدول، ولا مرتزقتها على الأرض السورية، بل يتم البناء على ما بعد المهمة.. وهو ما بدأه سعود أمس .. وهذا البناء ينطلق من اعتبارين أساسيين، يتم عبرهما توازع الأدوار والمسؤوليات والمهام.
الاعتبار السياسي: وتتولاه الولايات المتحدة ودول غربية، ويقوم على تهيئة المناخ السياسي لاتهام سورية، وهو ما يمكن قراءته بوضوح في المواقف الأميركية التي لاتزال تعلن دعمها للمسلحين وتزيد مساعدتها التقنية واللوجستية، مع التغاضي عما يعنيه ذلك من دعم لعناصر القاعدة والتنظيم ذاته.
وفي الاعتبار الميداني: وتتولاه تركيا والسعودية وقطر ويقوم على تهيئة مسبقة للمواجهة، عبر الإسراع بتهريب السلاح وتخزينه بشتى الوسائل، تحضيراً لما بعد مهمة أنان، بحيث تكون قد تشكلت لديها الاحتياطات الكافية إذا ما تغير المناخ السياسي أو حصل أي تعديلات عليه.
اللافت في المسألة، أن التنسيق في المستويين، يجري على هذه القاعدة، ويتم رسم المعادلات وإجراء الحسابات وفق هذا المنحى.. إذ إن أقصى ما ستتمكن منه، هو وضع مجموعة من التقارير، التي ينتظر أن تنحّى جانباً..!! لكن هذه المرة، ليس من خلال تجاهلها كما حصل مع المراقبين العرب وبهذا الشكل الفج، وإنما بناء على تطور دراماتيكي في الأحداث، سيدفع إلى تحييدها وسرعان ما ستتجاوزها التطورات وتصبح من الماضي.
لذلك، قد لا تكون المعضلة فقط في خطورة الاستهداف لعمل المراقبين، ولا في التشويش السياسي بقدر ما هي في التحضيرات اللوجستية على الأرض، والتي يصبح فيها وجود المراقبين هدفاً للإرهاب بعد تلك التهديدات المتزايدة.
والمهمة الملحة اليوم بالنسبة لكثير من الأطراف العربية والإقليمية، هي تجاهل ما يثار حول القاعدة وعناصرها وتنظيماتها.. والإعلان صراحة عن حالة من التوافق والرضا وصولاً إلى الدعم والاستخدام لخدمة مرحلية تتقاطع فيها مع ما تسعى إليه تلك الأطراف بحيث تكون من تفاصيل المسكوت عنه.
حديث «الشقفة» عن أن الحل بالسلاح وتهديدات مرتزقته ليس افتراضياً، ولا هو مجرد موقف اعتيادي بقدر ما يعكس قراراً مبيتاً اتخذ لإجهاض المهمة أولاً.. وإعادة المعادلات إلى قوانينها الوضعية الأولى ثانياً، في إعادة لتأجيج الأزمة مع استحضار ما يمكن من سيناريوهات حتى تلك التي طوتها الأحداث والتطورات بعودة الحديث عن التدخل العسكري الخارجي