كتب:عريب الرنتاوي
إذا كانت الجامعة العربية عاجزة عن تنظيم مؤتمر يبحث في وحدة المعارضات السورية، فكيف لها أن تحتضن حواراً بين النظام والمعارضة، يفضي إلى توفير مخارج سياسية للأزمة السورية المحتدمة منذ أربعة عشر شهراً، وفقاً لما تقتضيه المبادرات العربية والأممية بهذا الشأن…هذا إخفاق آخر للنظام العربي يضاف إلى سجل إفلاساته المتراكمة.
وإذا كانت المعارضة السورية، أعجز من أن تلتقي حول “ميثاق شرف” ينظم خلافاتها واختلافاتها، فكيف يمكن لها أن تطلق الوعود والتعهدات بأن تحفظ وحدة سوريا و”فسيفسائها” الاجتماعية والسكانية والسياسية في مرحلة الانتقال للديمقراطية (إن ظل احتمالٌ كهذا وارداً بعد تزايد مظاهر العنف والعسكرة والتطييف)…كلام فارغ أقرب ما يكون للهراء والهذيان، بدلالة الإعلانات المسبقة بمقاطعة مؤتمر القاهرة، ودخول الدوحة (كدأبها دوماً) على خط التنافس مع القاهرة لاحتضان المؤتمر وحصد الأضواء و”قصب السبق”.
وإذا كان النظام في دمشق، قد أخرج كافة معارضيه عن طورهم، بمن فيهم قدري جميل ورفاقه…فكيف يمكن له أن يتحدث عن “حوار وطني” و”باب مفتوح أمام الجميع” ووحدة البلاد والعباد…أي معنى عملي يكتسبه إسقاط المادة 8 من الدستور القديم، طالما أنه لا أحد في سوريا يستحق أن يحظى بلقب “معارضة وطنية” من وجهة نظر النظام…هذا التهافت في الخطاب الرسمي السوري ما بعده تهافت.
والحقيقة أننا أمام متوالية انقسامات لا تقف عند حدود ولا قعر لها على ما يبدو…النظام يطرد معارضيه ويطاردهم في الداخل والخارج، وينزع عنهم صفة الوطنية و”الوجود”…والمعارضة تتجه من تشرذم إلى المزيد منه، بدلالة فشل مؤتمر القاهرة من جهة، وأنباء التوترات المفضية لانشقاقات داخل المجلس الوطني السوري الذي يلتئم في روما لتدارك ما يمكن تداركه والتكاثر “الشيطاني” للكيانات والمجالس والحراكات التي بات عددها يفوق عدد منتسبيها ونشطائها.
هذه حلقة مفرغة ومفزِعة، تجعل الحل السياسي للأزمة السورية متعذراً حد الاستحالة…وتبقي للخيارات العنفية اليد العليا في المعالجات، سواء من قبل النظام أو المعارضة، وقدت كانت التصريحات الأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين السوريين لافتة للانتباه وصادمة تماماً، إذ وفق الواشنطن بوست، فإن قادة الجماعة قد حسموا أمر اللجوء إلى السلاح، وأنهم باتوا يحتكرون توزيعه مع “الإغاثة” وقبلها، وأنهم لا يمانعون قيام “حلف الناتو” بتوجيه ضربات لسوريا وإعادة إنتاج “النموذجين” الليبي والعراقي، بل ويستعجلون ذلك.
انسداد آفاق الحوار الداخلي “بين المعارضات السورية ذاتها”، ودخولها بدلاً عن ذلك، في متاهات المناكفة والمزايدة والابتزاز وتبادل الاتهامات من جهة….وانسداد آفاق الحوار الوطني بين “المعارضات” والنظام من جهة ثانية، لا يبقي مطرحاً سوى للأصوات المتطرفة داخل النظام والمعارضة على حد سواء، وليس مستبعداً على الإطلاق، أن تتمكن قوى التطرف ورموزه، هنا وهناك، من فرض أجندتها على سوريا، شعباً ودولة وكياناً، بحيث ننتهي إلى ما لا تحمد عقباه من نتائج كارثية.
بعض أركان النظام في دمشق، يرون أن فتح باب الحوار من شأنه أن يسرّع في انتقالهم “خلف القضبان”…هؤلاء لا يدافعون عن مصالحهم وامتيازاتهم فحسب، بل ويدافعون اليوم عن وجودهم وأمنهم الشخصي كذلك…فيما بعض المعارضات (الخارج أساساً)، استمرأ “بيزنس المعارضة وبريستيجها”، وبالنسبة إليه فإن من الأفضل إطالة أمد الأزمة السورية على الدخول في حلول وتسويات…بالنسبة لهؤلاء فإن حلم السلطة وشهيتها التي أظهروا “شبقاً غير مسبوق” حيالها، أهم من مصير سوريا ومصائر السوريين…هؤلاء يمكن أن يقبلوا بممارسة السلطة حتى ولو فوق الخرائب والأنقاض، خرائب البلاد، وأنقاض الدولة التي عرفنا ونعرف.
حيال هذه الاستعصاءات المركّبة، لا بد من كسر الحلقة المفرغة والشريرة التي تدور فيها الأزمة السورية…لا بد من مبادرات سياسية تجبر الأطراف على الانصياع لأولويات حفظ سوريا ومنعها من الانزلاق في أتون حرب أهلية ضروس تأكل الأخضر واليابس.
مبادرة كوفي عنان، التي وصفناها بأنها فرصة أخيرة لسوريا، وليس للنظام أو المعارضة، يمكن أن تكون مفتاحاً مهماً على هذا الطريق…والمأمول أن يخرج الموفد العربي / الأممي من الحدود الضيقة لمهمة المراقبة على وقف إطلاق النار، إلى فضاءات العمل السياسي، فيشرع في تمهيد الطريق لعقد مائدة حوار وطني، بمشاركة الجميع من دون استثناء، وبمظلة (وشبكة أمان) دولية/ عربية، لرسم خريطة طريق للخروج بسوريا من عنق الزجاجة….فهل يفعلها كوفي عنان، وهل ينجح حيث فشل نبيل العربي؟.
أكثر...