نتابع بفرح الاحصاءات الرسمية وارقامها والتي تشير الى ارتفاع نسبة المتعلمات من الاناث وارتفاع نسب التحاق البنات في الجامعات الاردنية ، ونتابع بفرح أكبر ارتفاع نسبة الاناث الحاصلات على شهادات عليا ، لكن عندما تستهدف الدراسات والابحاث نسبة التحاق المرأة في سوق العمل نتفاجأ لنجدها لا تتجاوز ال 13% وهي نسبة متدنية جدا مقارنة بنسب التحاق الاناث في أسواق العمل في دول العالم المتقدم .
لكنها ملاحظات تستحق التأمل ،، والبحث ،، لأن لها دلالات على توجه المجتمع وفهمه لدور المرأة من جهة ،، وعلى فهم المرأة لدورها ومكانتها من جهة أخرى .
فماذا تفعل الاناث بالشهادات طالما انهن لا يلتحقن بسوق العمل ؟ الحقيقة ، ان تدني نسبة التحاق المرأة الأردنية بسوق العمل له علاقة بعدة عوامل ،،،، فالمجتمع ، والقوانين ،، والصورة النمطية لدور ومكانة المرأة ،، والمناهج التعليمية ،، وأرباب العمل ، كلها عوامل اجتمعت لابعاد المرأة عن الحيز العام ، وحصرها داخل الحيز الخاص ، واقناعها بانه من الصعب أن تنافس الرجل على السلطة .
وما يؤكد انتشار هذا التوجه ،، هو دراسة لاتجاهات عينة من الطالبات في احدى الجامعات الاردنية حول دور ومكانة المرأة في المجتمع ، تبين ان اغلبية الطالبات لا يرغبن بالعمل لاعتقادهن ان مكان المرأة هو البيت ووظيفتها هي رعاية شؤون اسرتها ، لذلك فالافضل ان لا تذهب الفتاة باتجاه التخصصات العلمية ،، المصنفة كتخصصات ذكورية ،،، ، حيث اعتقدت غالبية العينة المبحوثة بأنه طالما أن المسؤولية الاقتصادية تقع على عاتق الرجل ، الاب أو الاخ أو الزوج ، فلا داعي لدراسة تخصصات تحتاج لتعب وجهد وفكر.
وعند استطلاعنا آراءهن حول قيمة العمل ومعناه في الحياة ، ودوره في زيادة الانتماء للوطن والدفع باتجاه النمو الاقتصادي ، بالاضافة الى تحقيق الذات ، ،،،،، لم يعن هذا لهن شيئا ، فقد تمحورت الاجابات بأغلبها على هدف واحد ورئيسي ،،،، فهدف الفتاة بعد التخرج هو الحصول على الزوج المناسب والتفرغ التام للعمل المنزلي ، وليس العمل.
فماذا يعني ان تفكر فتياتنا بهذا المنطق ،، ؟
أي ان نصف المجتمع غير منتج ، و نصف القوى العاملة مغيبة عن العمل العام وعن الاندماج في المجتمع ،و نصف المجتمع همه بعيد عن هم الوطن ، والأهم من كل ما سبق ،، أن التغير الذي أصابنا هو تغير شكلي فقط ،، تغيير في الاطار الخارجي بينما مايزال تأثير القيم المعطلة ،،، قويا ، ما حدث في مجتمعاتنا لا علاقة له بتغيير القيم والسلوكيات ، انه تغيير مختزل في سيادة السلوك الاستهلاكي والاقبال على الميديا وأحدث صيحات الموضة والفن ، فقط ،،
فهل هذا هو التغير الذي نحتاجه؟
ماذا ينفع المجتمع مواطن يقود أحدث السيارات ولا يحترم قوانين المرور المتفق عليها عالميا ، وماذا ينفع المجتمع مواطن لا يرى أهمية لدوره في صناعة القرار السياسي فينسحب من المشاركة في أي نشاط سياسي ،، وماذا ينفع المجتمع رجل متحضر يؤمن بحقوق المرأة ، ويقف عقبة في طريق عمل زوجته ،، وماذا ينفع المجتمع رجل يقتني مكتبة ضخمة في منزله ،، يتباهى بها ،، ولا يقرأ من محتواها كتابا واحدا ؟؟؟؟؟؟
ان أردنا ان نكون جزء من عالم قادم ومتحضر علينا ان نفكر بجدية في تغيير ادوات تفكيرنا تجاه ما نطلق عليهن نصف المجتمع تغير يطال بنية هذا العقل العربي المذكر في تعاطيه مع قضايا المرأة ،وهذا لن يتحقق ،، ونصفنا قابع في المنزل يتحمل قهرا تاريخيا ارتبط بالطبيعة ،، لقد فرض على المرأة العربية عبر العصور قيودا وحصارات كبتت حريتها وألزمتها البقاء ضمن صورة الانسان الضعيف الخالي من القدرات والمهارات سوى خدمة الآخرين ، ومراعاة احتياجاتهم ورغباتهم.
وعند الدعوة للتنمية والتطور والمشاركة ، يعني اننا يجب أن نحدث تغيير لواقع الحياة التي تعيشها المرأة ، بخروجها من دائرة التقييد والتبعية وأن تتخذ أدوارا اخرى خارج نطاق أسرتها وبيتها مما يؤدي بصورة منطقية لتغيير النظام الاجتماعي السائد في المجتمع ككل ،، وعلى المرأة أن تدرك ان التوصل الى الوعي الاجتماعي هو ضرورة ملحة لأي قضية من قضاياها ،، والوعي الاجتماعي لايمكن أن يتحقق دون تحقيق الوعي الذاتي .
ان جذب المرأة للعمل خارج المنزل لقاء أجر ،، له مدلول سياسي واجتماعي ،، بالاضافة الى المدلول الاقتصادي، فاشراك المرأة في عملية الانتاج يضعها في موضع قوة تصبح فيها شريكة للرجل في الواجبات ،، ولها كل الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية .