يدور الإعلام الأميركي اليوم 24 ساعة وبأقصى سرعة وبمساعدات واضحة المعالم من الأجهزة الاستخبارية الأميركية كالـCIA والـFBI بحثاً عن المصدر الذي سرب قصة الشخص الذي كشف سر “قنبلة الملابس الداخلية” الذي أرسلته القاعدة في شبه جزيرة العرب لتفجير طائرة أميركية على النحو الذي يذكرنا بقصة الشاب النيجيري “فاروق” الذي تم الإمساك به في مطار ديترويت ليلة رأس السنة الماضية قبل أن ينفذ خطته بتفجير الطائرة التي كانت تقله مع مسافرين هناك. أما مفجر الملابس الداخلية الحالي، فيعد حالة غير مسبوقة في تاريخ الاستخبارات والعمليات الاستخبارية ضد المنظمات الإرهابية التي أشارت معطياتها إلى ثمة شاب يمني لم يخفِ كبار ضباط المخابرات إعجابهم بقدراته الفائقة التي لم يسبقه إليها أحد في فنون إخفاء القنابل والمواد المتفجرة إبتداءً من ضمها إلى أجهزة الطباعة أو الأجهزة الكهربائية الأخرى وإنتهاءً باخفائها بين طيات كعوب الأحذية أو سواها من الأماكن التي لا يمكن لأحد أن يكشفها، إلا بصعوبة بالغة. لذا يُعد اليمني “إبراهيم العسيري” أشهر شخصية عربية في الدوائر الحكومية الأميركية بسبب ما عُرف عنه من “زئبقية”.
المهم في موضوع حمى الإعلام حول الشاب الجديد الذي كشف سر القنبلة الجديدة، هو انكشاف أمره كوكيل للمخابرات المركزية الأميركية CIA لأنه قد قام بكشف خطة التفجير طوعاً للمخابرات السعودية والأميركية كي يسدل الستار عن قصة تغلغله سراً بين صفوف تنظيمات القاعدة وكسبه ثقة زعمائها الفاعلين، درجة اعتمادهم عليه للقيام بهذه العملية “الانتحارية”. على كل حال، المعضلة الإعلامية والاستخبارية تكمن في استفهام “من الذي” سرب هذه المعلومات التي ستخدم القاعدة في نهاية المطاف، عن طريق إماطة اللثام لها عن “ثمة مندسون” في تنظيماتها لا تعرفهم هي، بل ويثق بهم قادتها الميدانيون. لذا على المرء أن يتوقع حملة “تطهير” ستقوم بها القاعدة على سبيل التخلص من مثل هؤلاء المندسين، الأمر الذي قد يقود إلى اعدامات واغتيالات، في حالات الشك.
والمعضلة تأخذ مدياتها واسعة عبر مقابلة تلفازية مع أحد كبار ضباط المخابرات المركزية، إذ أعلن بأن على هذا الجهاز الاستخباري الجهنمي أن يفكر بجد في إخفاء الشخص الذي باح بسر قنبلة الملابس الداخلية الثانية نظراً لأنه سيبقى مستهدفاً من قبل عناصر القاعدة؛ وهذه العملية تتطلب عددا من الإجراءات التي تكشف للمتابعين البسطاء كيف يمكن لمثل هذه الأجهزة أن “تعيد إنتاج” شخص ما كي يولد في العالم من جديد، إذ يتطلب الأمر اسماً جديداً وعملاً لم يسبق للمرء أن مارسه زيادة على جميع متطلبات “الإنسان الذي لم يكن في الوجود سابقاً”، وهي تشتمل على هويات وجوازات سفر جديدة وأماكن عمل أخرى عبر البحار السبعة، زيادة على العبث بملامح وجه الشخص المعني، سلباً أو إيجاباً، درجة عدم إمكانية التعرف عليه من قبل من سبق وأن تعاملوا معه حتى لو تم إسكانه في قارة أخرى، كأن يختفي هذا الشخص على حين غرة ثم يظهر فجأة في دولة مثل تشيلي أو جزر فيجي حيث لايمكن أن يظفر به أحد من عناصر القاعدة قط.
تكشف مثل هذه الأخبار الرأس المنظور من جبل جليد “الحياة السرية” و “العالم السري” الكريه الذي يتورط من يترسب بهما في حالات لا تخطر على بال أحد من العجائبيات، ومنها إعادة تصنيعه وإنتاجه لتوليده ثانية!