لم يضف وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا الكثير حين أقرّ بوجود بصمات القاعدة في تفجيري دمشق، لكنه يُغفل بصمات أطراف ودول أقليمية وعربية وغربية ضالعة أيضاً.. والبصمات الأميركية ليست خارجها.
فما تجاهله بانيتا أخطر بكثير مما أقرّ به.. وما تعمد التغاضي عنه أوضح بكثير مما أفصح عنه.
فالكل بات يسلّم بوجود هذه الدلالات التي سبق لسورية أن أشارت إليها منذ البداية، بل حذرت من التسهيلات التي تتلقاها عناصر القاعدة أو تنظيمات مرتبطة بها، والمعضلة ليست في الإقرار بقدر ما هي إغفال الأطراف التي تقف وراءها وتجاهل دورها.
وتنظيم القاعدة – كما يدرك الجميع – أداة للاستئجار تستخدمه قوى وأطراف لتحقيق غاياتها من خلال الإرهاب، ويحتاج دائماً إلى عوامل وأدوات ومناخ.. مثلما يحتاج إلى أرض وممرات وتمويل وتحريض وتسهيلات!!.
في المنطق، أن هذا التنظيم الذي حشدت أميركا كل العالم لمحاربته ومواجهته، لم تعلن حتى اللحظة انتهاء هذه الحرب.. وإن كانت قد ألمحت إلى ذلك حين تغاضت عن الفروع والأصول التي تفرخت عن التنظيم تحت مسميات اختلفت وتباينت حسب الحاجة والغاية والهدف.
وفي المنطق أيضاً، لم تنكر الإدارة الأمريكية المصالحة مع الإسلاميين الخاضعين لفكره والمستنسخين لكثير من أساليبه وطرقه، حتى بنائه التنظيمي والعقائدي والتسلسل الهرمي في تشكيلاته وصولاً إلى تطابق في الاتجاه.
لكن في الجوهر، فإن العلاقة الأميركية مع تنظيم القاعدة، هي التي ظلت ملتبسة، وموضع شك، باعتبار أن الأرضية التنظيمية كانت بأفكار أميركية وأدوات أميركية وإن كان التمويل سعودياً مباشراً.
وفي الجوهر أيضاً، فإن الإدارة الأميركية تلم بتفاصيل القاعدة، وتعرف أدق الخصائص فيها، بل تدرك جيداً مصادر تمويلها.. والأطراف التي تعتمدها أو تقدم لها التسهيلات بأشكالها المختلفة.
فإذا كانت التفجيرات فيها بصمات القاعدة، فإن الأطراف التي ساعدتها أو ساعدت عناصرها ومولتهم وحرضتهم وقدمت لهم التسهيلات، تحمل في نهاية المطاف بصمات أميركا والغرب عبر أدواتهما القائمة في المنطقة سواء في الجوار التركي أم لدى مشيخات النفط.
ومثلما كانت تلك البصمات واضحة في إرهابها وانتمائها للقاعدة بالنسبة لنا، فإن بصمات تلك الأطراف التي دعت وتدعو علناً إلى التسليح.. واضحة وأشد وضوحاً لدى من يؤمّن الحماية والرعاية والملاذ الآمن والمعبر المؤمّن.
وكما تتحمل القاعدة بعناصرها مسؤولية الإرهاب الذي تمارسه، فإن مسؤولية تلك الأطراف توازيها، بل في بعض الحالات تفوقها، خصوصاً حين أمنت لها هذا المناخ الخصب، كي تتفشى وبهذا الشكل الدموي المروع!!
مسؤولية تتوازعها قوى ودول وتنظيمات اعتاشت على الإرهاب، وانتعشت عبر مشايخ الفتنة وفتاوى التحريض ومن خلال قنوات التجييش الإعلامي، وعبر المال الخليجي السخي، وأيضاً من خلال الدعم اللوجستي التقني الذي قدمته الإدارة الأميركية وتقدمه للمسلحين وهي التي رفعت من مساهماتها فيه.
بالوضوح ذاته.. وبالمسؤولية نفسها، بصمات هنا.. وأخرى هناك.. إرهاب ينفذ وإرهابيون يخططون ويمولون ويصنعّون وينتجون هذا الفكر الإرهابي التكفيري الظلامي الأسود!!
وكما استخدمت القاعدة لتنفيذ أغراضها وغضت الطرف عن نموها وتورمها واستطالاتها هي كذلك تستخدم تلك الأطراف الداعمة للإرهاب وتغض الطرف عن تصرفاتهم ومواقفهم ولغة التحريض في إعلامهم وفتاوى القتل لدى مشايخهم.
بصمات القاعدة موجودة في التفجيرت الإرهابية التي شهدتها وتشهدها المدن السورية، هذا صحيح.. والصحيح الآخر الموازي له وبالقدر ذاته، أن تلك هي بصماتهم.. من مشيخات الخليج الممولة إلى الظاهرة التركية الحاضنة مروراً بدول وأفراد وأحزاب وتنظيمات، تبرعت بالخدمة لأميركا والغرب وإسرائيل!!