الاصلاح نيوز- مروة بني هذيل/
،لعل زلة اللسان، تكون اكثر ما يؤدي للمشاكل الاجتماعية، فيكون اللسان حرا طليقا، فتخرج كلمات يفقد فيها الشخص القدرة على السيطرة على أقواله، ولا يعي أثرها إلا بعد حين، وقد تخرج إما في حالات الفرح أو الحزن، لذلك قيل “لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن خنته خانك”.
الخمسيني أبو محمد، جعلته عفويته يفقد في كثير من الأحيان السيطرة على لسانه، ما يجلب له المشاكل مع من لا يتفهم شخصه، أو من لا يعرفه جيداً ولم يعتد عليه، “فأنا لا أستطيع أن أرى أي خطأ من دون أن أقول شيئا، ولا أستطيع أن أرى أمرأة جميلة من دون أن أعبر لها عن إعجابي بها”، بحسب ما يقول.
ويعترف أنه ينطبق عليه القول “اللي بقلبي على لساني”، حيث وضعه ذلك في مشاكل كثيرة، لا يستطيع الخروج منها، والمشكلة الأكبر بنظره أنه لا يستطيع ضبط نفسه، حتى يتجنب المشاكل فيما بعد، “فلساني بريء مني”، وفق ما يبين.
بينما الاحتفاظ بالسر هو الأمر الذي لا تستطيع الطالبة الجامعية مها يزن، الالتزام به، فهي تحرج جداً حين تأتي إحدى زميلاتها لتخبرها بأمر خاص بها، ولكنها تحاول أن لا تستمع إليها، كي لا يخونها لسانها وتفشي سرها.
وتقول “فأنا من الناس الذين لا يستطيعون كتمان الأسرار، ولكي لا أضع الآخرين بمشاكل، وأؤذي نفسي أحاول تجنب معرفة أي أمر سري، كي لا أبوح به بدون إرادتي”.
“الإنسان الحكيم يعني ما يقول، ويقول ما يعني، ونادراً ما يجرؤ القول إنه لا.. يقصد”، وفق اختصاصي علم النفس الاجتماعي الدكتور فؤاد كعوش، مبينا أن من الحكمة أن يزن الإنسان كلماته بميزان الذهب، فتخرج من شفتيه جواهر الحكمة.
ويشبه اللسان كدفة السفينة الضخمة، التي يديرها ربانها فتتحرك حسبما يشاء، “فما أكثر الذين تسببت كلماتهم في ضياع مستقبلهم، ولكن أيضاً ما أكثر الذين طلبوا معونة الله سبحانه أن تُزين الحكمة كلماتهم، فخرجت كلمات حلوة كانت سبباً في نجاحهم ونجاح علاقاتهم”، بحسب قوله.
يعتبر العشريني محمد الفاعوري أن النكتة، هي أهم شيء في حياته، التي ليس فيها نبض بدون النكتة والمزاح والضحك مع الآخرين، وبنفس الوقت يقر أن هذه الفكاهة وضعته بمشاكل كثيرة، موضحا “فدائما عن طريق المزاح أفشي أسرار الآخرين، وأتحدث عن خصوصياتهم بنبره المزاح، أثق بأن الجميع بحبني ويحب حضوري، لكن ايقن تماماً أن لا أحد يثق بأن يخبرني شيئاً، وهذا الأمر لا يزعجني، فأنا أعلم أنني لست كفؤاً لأحمل خصوصيات وأسرار الآخرين”.
وينتاب الموظفة لمياء أبو السكر، شعور بالثقة العمياء لكل من يتحدث إليها، وتعتبر ذلك من أكبر سلبياتها، التي لا تستطيع السيطرة عليها، ولكنها تعترف بأن لديها ثقة كبيرة بكل من يتعامل معها، علما أن مثل هذا الشخص يمكن أن يخونها، وقد يتحدث عن خصوصياتها.
وتقول” إنني أحب الناس، وأحب أن يشاركوني كل أموري، فأبوح بأسراري العائلية لزملائي بالعمل، إلى أن حدثت معي مشكلة بسبب أمر خطير أخبرت زميلتي عنه، وبدورها أخبرت أمي به، وتولدت مشاكل بيني وبين والدتي بسبب (طولة لساني) كما تقول لي أمي”.
يذكرنا اختصاصي الشريعة الاسلامية الشيخ محمد الجيوسي بالآية الكريمة “ما يَلفظُ مِنْ َقولٍ إلاَّ لَدَيهِ رَقيبٌ عَتيدٌ “، موضحا أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا الكلام الذي تظهر المصلحة فيه، وعليه أن يكون أهلاً لحفظ الأسرار، وأن لا يستخدم خصوصيات الآخرين لهواً في حديثه.
ويقول “إن الله سبحانه وتعالى خلق للإنسان أذنين مفتوحتين على الدوام، وخلق له فماً واحداً، يضبطه بعقل راجح، ولسان به العديد من العضلات، حفظه داخل قفص من الأسنان، وأحكم بابه بشفتين، حتى يكون مسرعاً في الاستماع، مبطئاً في التكلم، حكيماً في انفعالاته”.
فالكلمة ملك للإنسان طالما كانت في قلبه، ولكن إن خرجت منه، فلن تستطيع كل قوات الدنيا أن تعيدها لصاحبها، من منظور الثلاثيني أمجد أيوب، الذي يؤكد أن الشخص الحكيم هو الذي يعرف متى يتكلم، وكيف، ومتى يصمت، وماذا يقول بعد أن يصمت؟
ويتابع أن مثل هذا الشخص يكون سكوته حكمة، وكلامه حكمة… فما أسهل الكلام من أجل ملء الفراغ، مضيفا “وكثيراً ما أصادف أناسا ليس لكلامهم قيمة، وبعد انتهاء اللقاء، أردد في نفسي، العقل نعمة والصمت كرامة”.
القرآن الكريم والسنة النبوية أكدا أهمية ضبط اللسان، فبسببه قد يدخل الإنسان إما إلى الجنة أو النار، وبه تتوازن علاقة الإنسان مع نفسه ومع محيطه، (فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)، “وهذا تأكيد على ضرورة ضبط اللسان والحكمة في القول”، وفق الشيخ الجيوسي.
(الغد)