[/p]نعم إنها وظيفة.. قد تكون أعلي وأخطر وأهم وظيفة في الدولة, لكنها تظل وظيفة عامة لابد أن تخضع للقواعد العلمية في الاختيار بمعني توصيفها, وتصنيفها وتحديد الصفات والكفاءات المطلوبة لأدائها بنجاح ثم اختيار الشخص المناسب في ضوء هذه الحقائق, ويقتضي التوضيح إشارة عاجلة لأصول المسألة.
بسقوط الإقطاع, والتوسع, والفتوحات, ظهرت الحاجة إلي أعداد كبيرة من الموظفين يؤدون الوظائف المتزايدة للدولة, وكي يضمن الحكام ولاءهم كان الاختيار يقوم علي ثلاثة اعتبارات شخصية هي: تعيين الأقارب, أو المعارف والأصدقاء, أو الأنصار السياسيين. أدي هذا الأسلوب إلي سوء الخدمة وفسادها وأصبح يطلق عليه نظام المفاسدspilssystem. وبظهور الثورة الصناعية والإدارة العلمية وضغط الجماهير وأصحاب الأعمال, اتجهت الحكومات للاختيار علي أساس الكفاءة والمساواة فيما يعرف باسم نظام الصلاحيةmeritsystem الذي يقوم علي تأكيد العلاقة بين متطلبات الوظيفة ومسئولياتها, ومؤهلات شاغلها وقدراته, لضمان نجاح تحقيق الهدف.
ثم ظهرت النظريات واستقرت المبادئ بأن الحكام ليسوا أصحاب السلطة, تظل دائما للشعب فوضها لمن يختارهم للقيام بوظائفها علي أساس الصلاحية لهذا المنصب. والربط بين المسئولية المنوط بها الرئيس وصلاحية من يشغلها علي القيام بها يقتضي قبل كل شئ تحديد هذه المسئوليات بوضوح ودقة, والمراجع في هذه المسئوليات واحد لا سواه هو الدستور وما يحدده بالنسبة لشكل نظام الحكم وتوزيع السلطات والاختصاصات. فأين ذلك الدستور؟ الدستور يوزع الاختصاصات ويحدد العلاقات بين الشركاء في الحكم, ليكون رئاسيا أو برلمانيا أو مختلطا يبين تداول السلطة جمهورية أو ملكية وراثية أو انتخابية كما يحدد مصدر السلطة ديكتاتورية ديمقراطية دينية أم مدنية دستورية, ليبرالية أم شمولية, ومن الطبيعي أن تختلف الصفات والمواصفات المطلوبة لشغل منصب الرئيس حسب ماينص عليه الدستور من نظم وما يحدد له من مسئوليات, قد يصلح له أحد المرشحين أو بعضهم وقد لايصلح له أي منهم, ونحن ليس لدينا دستور يضع الأسس ويحدد النظم ويرسم الطريق.
ومن المهم هنا الإشارة إلي أربع حقائق أساسية:
> المسيرة السياسية ضبابية وتزداد تخبطا لأننا لم نبدأ البداية الصحيحة, لقد وضعنا الحصان خلف العربة فلم نتقدم للأمام بل هرولنا إلي الخلف وأصبحنا مثل العبقري الذي أراد أن ينتهي بسرعة من بناء عمارته فقرر أن يبدأ ببناء السطح أولا فانهار البنيان علي رأسه, وإن كان الاعتراف بالحق فضيلة فإن العدول عن الخطأ والعودة للصواب فريضة.
> نفرق هنا بين الصفات المطلوب توافرها في الشخص والمواصفات والقدرات والكفاءات والخبرة التي يتطلبها ذلك المنصب. أغلب ما كتب عما نريده في الرئيس يتعلق بصفات أخلاقية مطلوبة لكل منصب خاصة للرئاسة لكن النزاهة والأمانة والصدق والتقوي…إلخ وحدها لاتكفي. علينا تحديد المواصفات المهنية والقدرات والخبرة المطلوبة لمنصب الرئيس.
> بالإضافة إلي ذلك الواقع العملي هناك واقع دستوري. إن اختيار الرئيس في ظل ذلك الغموض ثم صدور دستور يحدد شكل نظام الدولة قد ينتقص من شرعية وجود شاغل المنصب… ونبدأ من جديد!!
> ندفع اليوم ثمن العودة لما يسمي نظام المفاسد وتجاهل الأسس العلمية للتنظيم والإدارة في تشكيل اللجنة التأسيسية. أغلب المختارين لم تكن لهم علاقة بالمواصفات المطلوبة لإنجاز المهمة. استبعد الاختيار نخبة تعتز بها مصر من فقهاء القانون والدستور والعلوم الاجتماعية والأمن والاقتصاد, تجاهل فئات عديدة في المجتمع منها المرأة والشباب وأهالي التجمعات النائية مثل النوبة وغيرها وصغار العمال والفلاحين وذوي الاحتياجات الخاصة, ولم يمثل الاتجاهات السياسية والدينية والثقافية والاقتصادية التي تزخر بها مصر والتي من حقها كلها أن تضع دستورا للوطن كله. في ضوء هذه الحقائق أصبح علينا استيعاب خصائص المرحلة الكارثية التي تمربها مصر والالتزام بالديمقراطية الناضجة وأسس الحكم الرشيد في تحديد المبادئ التي يجب أن يقوم عليها الدستور ومسئوليات الوظيفة الأولي والصفات والمواصفات المطلوبة في شاغلها, ولتكن هذه هي المسئولية الأولي لكل كاتب ومفكر ومشرع بل كل مواطن ومواطنة بدلا من أمور سطحية تافهة انشغلنا بها, وأصبحت تحتل المساحة الأكبر في الإعلام والحديث والكتابة, إن الرئيس القادم إما أن يكون طوق النجاة وإما الصخرة التي تشدنا للقاع..