دب الذعر في “أريج” طالبة الصف الاول ثانوي في احدى مدارس الزرقاء الحكومية، عشية امتحان الرياضيات، فاغاثها ابوها بمدرس خصوصي أفهمها في ساعة ما عجزت معلمتها عن افهامه لها ولزميلاتها خلال شهرين!.
وفي اليوم الموعود، فوجئت اريج بالمعلمة ترجئ الامتحان نزولا عند توسلات عدد كبير من الطالبات ممن استمهلنها بضعة ايام لتدبر امرهن سواء بمزيد من المذاكرة او باللجوء الى مدرسين خصوصيين.
وباسى تقول اريج التي تنتمي الى عائلة ميسورة نسبيا، ان بعض زميلاتها اخبرنها ان ذويهن اضطروا للاستدانة من اجل توفير اجر المدرس الخصوصي الذي يتراوح بين 15 و20 دينارا للساعة الواحدة.
معظم الطالبات اللواتي حصلن على دروس خصوصية، ابلين حسنا في الامتحان كما تؤكد اريج، اما من لم يسعفهن وضع اسرهن المالي واضطررن الى امضاء اوقات طويلة وعصيبة من مذاكرة عقيمة، فقد رسبن، وفي افضل الاحوال حصلن على علامات متدنية.
طبعا لم يخطر لاي من الطالبات ان تلجأ الى المعلمة حتى تشرح لها ما استعصى عليها من المادة، فذلك سيكون عبثا، حيث ان المعلمة هي نفسها اساس المشكلة بحسب ما تقول اريج.
وتوضح “كان جليا منذ اليوم الاول الذي انتقلت فيه المعلمة الى صفنا انها لم تكن مؤهلة لتدريس مادة الرياضيات لمستوى العاشر، فلا هي تفهم المادة ولا هي تمتلك اسلوبا للتعامل مع طالبات في اعمارنا”.
وتضيف “نستطيع ان نتفهم مشكلتها مع المادة، ولكن ما لا نستطيع فهمه هو اصرارها على التعامل معنا كما لو كنا طالبات في الصفوف الابتدائية التي كانت تدرسها قبل ان يجري نقلها الى صفنا بقدرة قادر منذ بداية الفصل”.
وتتابع اريج قائلة ان المعلمة “وكما هو واضح، سعت الى التغطية على عدم فهمها للمادة عبر انتهاج اسلوب قمعي، يقوم على التوبيخ والاهانات والعقوبات لاتفه الاسباب، فضلا عن اغراقنا بواجبات مدرسية تفوق طاقتنا”.
وقد حاولت اريج وبعض زميلاتها ايصال شكواهن من تدني مستوى المعلمات الى المديرة، ولكن الاخيرة ابدت عدم اكتراث وانحت باللائمة في المشكلة على الطالبات انفسهن.
تقول اريج “المديرة مشغولة بقياس اطوال المراييل والتفتيش على المناكير والوان الاشاربات وبضيافاتها التي لا تنتهي، وعندما نشكو لها ترد قائلة: دبرن حالكن، اصلا اللي بدها تدرس بتدرس وبتفهم وااللي ما بدها الله لا يردها”.
ظاهرة متنامية
ولا يقتصر اللجوء الى الدروس الخصوصية بالنسبة لاريج على مادة الرياضيات بل يشمل ايضا الكيمياء والانجليزي، وايضا لاسباب تتعلق بتدني تأهيل المعلمات كما تقول.
وهذه الطالبة في حد ذاتها نموذج يعبر عن نحو 820 الف طالب وطالبة من اصل مليون و550 الفا في المدارس الحكومية، يلجأون الى الدروس الخصوصية بدرجات متفاوتة كما تؤكد دراسة لوزارة التربية.
وقد اظهرت هذه الدراسة ان 53.5% من الطلبة في جميع مراحل التعليم ما قبل الجامعة يأخذون دروسا خصوصية.
كما بينت ان ما نسبته 46.8% من هؤلاء الطلبة ينفقون على الدروس الخصوصية من 50-100 دينارا شهريا في المتوسط، في حين بلغت نسبة من ينفقون شهريا في المتوسط اقل من 50 دينارا 39%.
اما من ينفقون من 100-150 دينارا فبلغت نسبتهم 9%، ونسبة الـ8% الباقية كانت لمن ينفقون 150-200 دينار.
وبينت الدراسة ان أعلى نسبة للدروس الخصوصية كانت للصف الثاني ثانوي وبلغت 53.6%، تلتها نسبة الصف الاول ثانوي وبلغت 12.4%، اما اقل نسبة فكانت للصفوف الاول والثاني والثالث والرابع وبلغت اقل من 4.3%.
وتركزت أعلى نسبة دروس خصوصية في مادة الرياضيات، حيث بلغت نسبة الطلبة الذين يتلقون دروساً خصوصية في هذه المادة 33,3%، تلتها مادة اللغة الانجليزية وبلغت نسبتها 19,9%، ثم العلوم التي يندرج ضمنها الكيمياء والفيزياء والأحياء بنسبة 13,7%، ثم اللغة العربية 3ر11%.
وسجل الفرع العلمي في الصف الثاني ثانوي اعلى نسبة طلب على الدروس الخصوصية وبلغت 84%، ثم الفرع الادبي وبلغت 78%, واقل نسبة كانت للفروع الاخرى وبلغت 38%. اما في الصف الاول ثانوي فقد كانت اعلى نسبة للفرع الادبي وبلغت 18%, تلتها الفروع الاخرى وبلغت 10%، واقل نسبة كانت للفرع العلمي وبلغت 7%.
عرض وطلب
اجور الدروس الخصوصية التي تكشف الدراسة عن بعض ملامحها، تتضاعف عدة مرات عند الامتحانات وخاصة التوجيهي، كما يقول والد اريج الذي فضل عدم ذكر اسمه صراحة حتى لا تتعرض ابنته لمضايقات في مدرستها.
ويوضح “لاريج شقيقة انهت التوجيهي العام الماضي، وقد اضطررت لدفع 120 دينارا لمدرس خصوصي حضر لمدة ساعة واحدة الى البيت عشية امتحان الرياضيات”.
وقد تقفز اسعار الحصص الخصوصية خلال امتحانات التوجيهي الى اكثر من هذا الرقم بكثير كما يؤكد (عمر. س) وهو معلم رياضيات في مدرسة حكومية في الزرقاء.
يقول عمر “في ليلة الامتحان يفرض المعلمون الخصوصيون شروطهم واسعارهم منتهزين فرصة الحاجة الماسة اليهم من قبل الطلبة الذين يكونون في حالات نفسية صعبة، وكذلك اهاليهم”.
ويضيف ان “سعر الحصة يختلف ايضا من معلم الى اخر تبعا لشهرة المعلم. لقد اصبح عندنا نجوم في هذه المهنة يسعى اليهم الناس وباي ثمن اعتقادا منهم ان مفتاح مستقبل ابنائهم في ايديهم”.
ويقول عمر بحكم خبرته انه يعرف اسرا “تضطر للاستدانة واحيانا بيع مقتنياتها لتوفير اجور معلمين خصوصيين لابنائها. وطبعا الاباء في هذه الاسر مستعدون لفعل أي شئ حتى يخرجوا من خطية ابنائهم كما يقول المثل الشعبي”.
اجيال مشوهة
ومع اقراره بان الدروس الخصوصية هي نتاج “معلمين فاسدين لا يؤدون امانة رسالة مهنتهم السامية” الا ان عمر يقر في المقابل بان “هناك معلمين نزيهين يبذلون جهودا صادقة، لكنهم يواجهون عقبات تحول دون تاديتهم للرسالة بشكل مرض”.
ويوضح قائلا ان “الصفوف مكتظة باعداد تصل احيانا الى 40 طالبا، واوقات الحصص مضغوطة، وبالتالي فمن الصعب على المعلم ان يعطي المادة حقها وكل طالب حقه”.
ويضيف “كما ان هناك معلمين دخلوا الى المهنة من دون ان يحظوا بفرصة التاهيل والتدريب الذي يكسبهم المهارات الضرورية لعملهم، وقد ادى هذا الى مفاقمة المشكلة وتخريج اجيال مشوهة تعليميا”.
ولكن عمر يلفت الى ان اللجوء الى الدروس الخصوصية لا يعني حتما ان الطالب ضعيف والمعلم ضعيف، بل احيانا يكون ذلك لرغبة من الطالب نفسه في تحسين مستوى تحصيله، وبالتالي فرصه في التعليم الجامعي الذي يقوم على اساس معدل التوجيهي.
وبالفعل فقد كشفت الدراسة التي اجرتها وزارة التربية ان الرغبة في تحصيل معدلات عالية تشكل احد اسباب توجه الطلبة الى الدروس الخصوصية.
ولكن الدراسة تشير الى اسباب اخرى لا تقل اهمية وفي مقدمتها ضعف المستوى العلمي والتربوي للمعلمين واكتظاظ الغرف الصفية.
وقد اوصت الدراسة في هذا الصدد باخضاع المعلمين الى دورات تدريبية على برامج تعليمية وتقويمية حديثة.
كما اوصت بإحياء نظام دروس التقوية في المدارس الحكومية ليتم من خلالها معالجة جوانب الضعف التي يعاني منها بعض الطلبة.
ولكن المعلم عمر يرى ان “نظام دروس التقوية وان كان يقدم حلا لمشكلة الاكتظاظ ويعطي فسحة للمعلم حتى يتوسع في الشرح، الا انه يظل نظاما مشوبا باختلالات اهمها عدم وجود حوافز مادية للمعلمين الذين يقدمونها بشكل مجاني، اضافة الى ان بعض الدروس يعطيها معلمون هم في الاساس اصل المشكلة بسبب ضعفهم”.
مراكز ثقافية
مع ارتفاع كلف الدروس الخصوصية، فان المراكز الثقافية تقدم حلا للاسر غير المقتدرة، بحسب ما يؤكد ناصر شعبان الذي يملك واحدا من اكبر المراكز الثقافية في الزرقاء.
وبرغم تفاوت اسعار الدراسة في المراكز، وهو امر يخضع ايضا للمنافسة ونجومية معلميها،
ومعظمهم من المعلمين العاملين في وزارة التربية، الا انها تظل معقولة مقارنة مع الدروس الخصوصية، حيث تتراوح بين 70 و200 دينار للمادة كاملة على امتداد الفصل.
ويبلغ عدد المراكز الثقافية التي تقدم دروس التقوية في المناهج التعليمية نحو 500 اكثر من نصفها في عمان، ويبلغ عدد الذين يلتحقون بها اكثر من 80 الف طالب وطالبة، بحسب ارقام نقابة اصحاب المراكز.
ومن جهته يؤكد شعبان ان مركزه يستقبل نحو ثلاثة الاف طالبة وطالبة في كل فصل، ومعظمهم يلجأون الى مركزه بهدف تحسين مستواهم.
وكما يخبرنا احد طلبة المركز، فقد كان يدرس في مدرسة خاصة، ولكن والده قرر العام الماضي نقله الى مدرسة حكومية، وحتى يعوض فارق الجودة التعليمي فقد سجله في المركز، وبهذا وفر على نفسه اقساط المدرسة الخاصة الباهظة.
وقد انتهجت اعداد كبيرة من اولياء الامور هذه الطريقة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وهو ما اثار حفيظة المدارس الخاصة التي قال شعبان انها ضغطت على وزارة التربية من اجل اغلاق المراكز.
وبالفعل فقد قررت الوزارة اغلاق المراكز ثم عادت واكتفت بمنعها من اعطاء دروس تقوية مبنية على الكتاب المدرسي، على اعتبار ان مدارس الوزارة والمدارس المرخصة هي الوحيدة المفوضة بذلك.
وتعلن المراكز عن نفسها باعتبارها مؤسسات لتعليم المهارات وليس المناهج، ولكن في واقع الامر، فانها تبني برامجها على اساس الكتاب المدرسي، وهي حقيقة تعرفها الوزارة ولكنها لا تتحرك للتصدي لها لاعتبارات عديدة.
ومن اهم هذه الاعتبارات بحسب ما يؤكده شعبان، حاجة الناس الى المراكز والذي يترجمه الاقبال الهائل عليها، لانها تغطي نقصا حقيقيا واساسيا تسببت به الاختلالات التي تعتري العملية التربوية في مدارس وزارة التربية.
مزيد من تقارير مضمون جديد هنــا