،الاصلاح نيوز / بقلم: خيرالله خيرالله
هل تنقل الحكومة الاردنية الجديدة المملكة الى شاطئ الامان؟ الواضح انها ستكون جسرا بين مرحلتين. مرحلة ما قبل الاصلاحات ومرحلة ما بعدها. لكنّ الكثير سيتوقف في النهاية على وعي الاردنيين لواقع يتمثّل في انه لولا الحكمة التي امتلكها عبدالله الثاني، لكان وضع المملكة اسوأ مما هو عليه بكثير.
كان طبيعياً ان تكون هناك حكومة جديدة في الاردن. جرت محاولة للسير في المشروع الاصلاحي الى النهاية عن طريق الحكومة المستقيلة. فشلت تلك المحاولة وتبين ان ثمة حاجة الى حكومة جديدة برئاسة شخصية تعرف الاردن جيداً وتعرف ان انتقال السلطة بعد وفاة الملك حسين، رحمه الله، تمّ بهدوء وعلى نحو سلس نظراً الى ان المملكة بلد مؤسسات اوّلا واخيراً. لا خيار آخر امام الاردن سوى المحافظة على هذه المؤسسات التي حافظت على المملكة التي كانت دائما في عين العاصفة.
جاءت الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور فايز الطراونة لضمان استمرار عمل المؤسسات من جهة والاعداد للانتخابات النيابة المقبلة من جهة اخرى. مفروض ان يسبق الانتخابات اقرار سلسلة من الاصلاحات دعا اليها الملك عبدالله الثاني الذي يعرف قبل غيره بدقة ما تعاني منه الاردن في هذه المرحلة.
يدرك الملك ان الاردن يواجه اوضاعاً معقدة وذلك بسبب الوضع الاقتصادي العالمي والاقليمي وبسبب الاجواء التي تسود المنطقة. في النهاية، هناك ثلاث دول ومناطق قريبة تمرّ بازمات حقيقية وعميقة لها انعكاساتها السلبية المباشرة على الاردن.
هناك الوضع الفلسطيني المعقد الذي يؤثر بشكل مباشر وسلبي على الداخل الاردني المضطر الى تحمّل اعباء ليس في استطاعة دولة فقيرة، لا تمتلك موارد غير الانسان الاردني، تحمّلها. يزداد الوضع الفلسطيني خطورة في ظل حكومة اسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو لا تريد التوصل الى اي تسوية من اي نوع كان. تعمل هذه الحكومة بكلّ بساطة على تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وابعاد اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين في اتجاه الاردن.
المؤسف ان في الداخل الاردني من لا يريد استيعاب دقّة المرحلة وخطورة الدخول في مزايدات لا تصبّ سوى في خدمة المشروع الاسرائيلي الذي يتكّل اول ما يتكّل على الاحزاب الدينية من نوع الاخوان المسلمين وهي احزاب لا تمتلك بعض قياداتها اي وعي سياسي من اي نوع كان ولا تريد الاستفادة من تجارب الماضي القريب. في مقدم هذه التجارب ما قدمته المملكة الاردنية للقضية الفلسطينية بعيدا عن اي تمنين. اوليس قرار فك الارتباط الذي اتخذه الملك الحسين في تموز/يوليو من العام 1988 هو الذي رسم حدود الدولة الفلسطينية المستقلة التي يفترض بحركة مثل حركة الاخوان المسلمين دعمها بدل اطلاق الشعارات الفارغة التي لا تستفيد منها سوى حكومة نتانياهو؟
هناك الوضع العراقي الذي ينعكس سلباً على الاردن. العراق يمرّ بمرحلة انتقالية. ليس معروفا الى اين يتجه العراق. الامر الوحيد الاكيد ان الامور فيه ليست على ما يرام. سيمر وقت طويل قبل ان يعود العراق سندا للاردن ودولة منخرطة في عملية دعم الاستقرار في المنطقة، خصوصا في ظلّ تزايد النفوذ الايراني في بغداد.
هناك ايضا الوضع السوري الذي يلقي اعباء كبيرة على الاردن. عدد السوريين الذين لجأوا الى الاراضي الاردنية اكبر بكثير مما ينشر وذلك بسبب التداخل الاجتماعي بين البلدين على طول الحدود بينهما.
على الرغم من ذلك كلّه، هناك اصرار لدى القيادة السياسية في الاردن على المضي في الاصلاحات. هناك اعتراف بالمشاكل التي تعاني منها المملكة. هذه خطوة ايجابية. هناك اعتراف بالفساد وبضرورة التصدي له. من دون التصدي للفساد، لا استثمارات اجنبية، خصوصا من دول الخليج التي لم تعد في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين جمعيات خيرية. هذا ما يفترض ان يكون مفهوما لدى الجميع في الاردن بغض النظر عن المسؤوليات التي يتحمّلها هذا الشخص او ذاك…وما قد يكون من الضروري ان يكون مفهوما ايضا ان لا بدّ من تصحيح اي اخطاء يمكن ان تكون حصلت مع مستثمرين خليجيين او غير خليجيين، وذلك في اسرع وقت ممكن.
لا مفرّ من الاعتراف بان الوضع الاردني في غاية التعقيد في ضوء التطورات الفلسطينية والعراقية والسورية وحتى المصرية. لا يمكن تجاهل ان الاردن تأثرت جراء رفع اسعار الغاز المصري الآتي من سيناء والانفجارات التي تتعرض لها الانابيب التي تنقله الى المملكة بين حين وآخر. ما الذي ستفعله المملكة لحلّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المعقّدة في الداخل وتلك الآتية من خارج الحدود؟
لا شكّ ان حكومة فايز الطراونة جزء من الحلّ. قبل كلّ شيء، تدلّ تركيبتها على انها حكومة كلّ الاردن. كلّ المناطق والفئات الاجتماعية ممثلة فيها. هذه نقطة ايجابية. الاهمّ من ذلك، ان هذه الحكومة تعرف تماما ما هي المهمة المطلوبة منها. انها تشبه الى حدّ كبير حكومة الامير زيد بن شاكر، رحمه الله، التي تشكّلت في العام 1989 وتولّت الاشراف على اعادة الحياة النيابة الى المملكة في انتخابات اجريت في تشرين الثاني/نوفمبر من تلك السنة، في اليوم الذي كان يسقط فيه جدار برلين.
هل تنقل الحكومة الاردنية الجديدة المملكة الى شاطئ الامان؟ الواضح انها ستكون جسرا بين مرحلتين. مرحلة ما قبل الاصلاحات ومرحلة ما بعدها. لكنّ الكثير سيتوقف في النهاية على وعي الاردنيين لواقع يتمثّل في انه لولا الحكمة التي امتلكها عبدالله الثاني، لكان وضع المملكة اسوأ مما هو عليه بكثير. تكفي نظرة الى ما يدور في المنطقة للتأكد من الاردن يعيش في ظلّ اوضاع جدّ معقولة ومستقرّة. هل في الاردن من يريد تجاهل هذا الواقع؟ هل في الاردن من يصرّ على الجحود؟
ميدل ايست أونلاين،