حتى لا تبقى الأمور محل جدل وإعادة نظر, وحتى لا تبقى أسرى لطيب النوايا والتفاؤل غير المبني على أسس علمية وموضوعية, وتحاشياً للصدمة فقد صرّح رئيس الوزراء المكلف تصريحاً مهماً وخطيراً, يعبر تعبيراً تاماً عن منهجه المقبل ويوضح بصراحة وجلاء عن مضمون الرسالة الحقيقية لمجيء الرجل ويضعنا أمام الصورة الفعلية للمرحلة المقبلة عندما قال: “لا يجوز القول ان الصوت الواحد قد دفن”.
اذا كان الأمر كذلك فهذا يعني بكل وضوح أن الرجل ينتسب الى المرحلة السابقة, وليس هذا فحسب, بل هو من سدنة هذه المرحلة, وأحد رجالها ورموزها, وهذا يدفع إلى القول أن الأمور حسمت باتجاه إعادة الأمور إلى ما كانت عليه, وبذل كل الجهود من أجل مقاومة التغيرات والإصلاحات العميقة التي يطالب بها تحالف الإصلاح وحراك الشارع الأردني, ووضع حد لتطور الموقف الشعبي ليصبح أكثر تأثيراً وأكثر فاعلية وأكثر قدرة على انتزاع إصلاحات حقيقية جوهرية تنقل الأردن من مرحلة الى مرحلة.
ربما يكون هذا الرجل من أكثر الذين أسهموا في تحويل مؤسسة رئاسة الوزراء الى كبار موظفين ينفذون رؤية مرسومة سلفاً, وخطة طويلة الأمد وضعت مسبقاً, لا شأن لهم بصياغتها أو وضع أهدافها أو سياساتها, وإنما كل وزارة تأتي لتقوم بمهمة محدودة وأجندة موضوعة بسقف زمني لا يصل إلى السنة وينفذ جزئية من خطة طويلة الأمد, وكان قد أسهم بوضوح في ترسيخ حالة تنازل مؤسسة رئاسة الوزراء عن ولايتها التنفيذية حتى أصبح الأمر مفروغاً منه من الناحية العملية والواقع التطبيقي الصارم, الذي أفقد رؤساء الوزراء صفة رجال دولة, وأعفاهم من وضع رؤية ورسالة للدولة كما أراحهم من عبء وضع برنامج شامل لإدارة الدولة في كل المجالات.
الرجل من أنصار تطوير الأوضاع وتحسين الأحوال الحالية بشكل طفيف, لأن الوضع السابق هو الوضع المثالي الصحيح الثابت الذي يجب أن لا يتغير وأن لا يمس بسوء, سوى بعض الرتوش, والإصلاحات الجزئية هنا وهناك, لا أكثر.
لقد أراحنا الرئيس من التحليل والتفكير بعمق, وضرب الأخماس بالأسداس, فنحن أمام استمرار الحالة السابقة التي سمحت بإنتاج الفساد الواسع والعميق والمنتشر والمتجذر, والتي سمحت بإفقار الشعب الأردني وبيع كامل مقدراته وأصول دولته, والتي سمحت بزيادة المديونية العامة الى (20) مليار دولار, والتي سمحت بزيادة العجز في الموازنة وزيادة الاعتماد على المنح والقروض الخارجية والتي سمحت بتهميش الشعب الأردني عن المشاركة الفاعلة في إدارة الدولة, وتغييبه عن أهم القرارات التي تتعلق بمصيره, ورهن البلاد والعباد إلى تحالف وادي عربة, الذي ما زال يحكم قبضته على سائر مفاصل الدولة, وعلى مقدرات الشعب الأردني وثرواته.
rohileghrb@yahoo.com