الاصلاح نيوز- كتب: ناصر قمش/
بينما تحاول جميع دول العالم أن تحارب البيروقراطية وأن تقلص من نفوذها للعمل على تحسين أداء مؤسساتها ورفع سوية الخدمات المقدمة للمواطنين، تتحول البيروقراطية في الأردن إلى أحد المقدسات الوطنية التي تجد من يدافع عنها بشراسة ويحذر بشدة من المساس بها، وتفنن البيروقراطيون في البحث عن الأعداء، فوضعوا خصومهم كفزاعة يحملونها تضخم المديونية وتبديد ثروات الوطن لذلك فانهم اضحوا اهدافا سهلة لكل الهتافات التي تصدح بها حناجر الحراكات.[/p]والحقيقة مختلفة عن ذلك، فالبديهي أن تضخم المديونية يأتي نتيجة تزايد الإنفاق على القطاع البيروقراطي ووجد الأردنيون أنفسهم مضطرين لأن يدفعوا من أجل استمرارية أجهزة الدولة في العمل لمجرد البقاء دون أي عوائد اقتصادية حقيقية تنعكس على النمو، ولم يشهد الأردن نموا عاليا ومضطردا كالفترة التي خرج فيها البيروقراطيون من المطبخ الاقتصادي.
ويمكن أن ينتقد البعض ذلك ويتساءل عن النمو الإنتاجي وليس في قطاع العقارات أو الخدمات، وذلك افتئات واضح، فلكل بلد ميزة تنافسية، واليوم لا يمكن الحديث عن صناعات وطنية في ظل العولمة، وكيف يمكن لمصنع لعب الأطفال في الأردن أن ينافس نظيره الصيني الذي تصل بضائعه إلى الأردن بأقل من ربع تكلفة تصنيعه، هذا مثل، وعلى ذلك يمكن استعراض بقية الأمثلة، ولكن ذلك ليس موضوع البيروقراطيين وغيرهم ، فالموضوع هو البحث عن مكتسبات وتخندق في المواقع، يمارسه الطرفان.
واعداء البيروقرطية يمثلون أهدافا سهلة للانتقادات، والاتهامات بالفساد التي نالت نصيب الاسد منهم فمثل هؤلاء جاؤوا من خلفية تركز على الانتاج وتتعامل بمنطقية وواقعية مع التحديات الاقتصادية، ويمكن لهم أن يتفهموا مصطلح “Know how” وأهميته، وأن يتخذوا قرارات تقديم التسهيلات للمستثمرين الذين يملكون هذه المعرفة، ويمكنهم أن يتعاملوا مع مصطلحات اقتصاد المعرفة وبناء القدرات، وبالتالي، فإنهم يتفهمون الصراع القائم على رأس المال الموجه للدول العربية والدول النامية، وهو صراع لا يرحم.
والأردن بمتوسط الأجور المرتفع فيه مقارنة بآسيا، بجانب عدم توفر المياه ومشكلات القطاع الزراعي بلد غير جاذب إلا لنوعية معينة من الاستثمارات، ويتنافس في وسط صعب مع دول عربية تمتلك نفس المقومات أو تتفوق عليه، في السياحة توجد مصر وسوريا وفلسطين والإمارات وقطر، وفي التقنية، مصر واسرائيل، وفي التعليم، مصر ولبنان، وبالتالي فإن المستثمر ينتظر المزيد من التسهيلات.
وعلى ذلك، يستغرب البعض منح امتيازات في الأراضي ومدخلات الانتاج لبعض المستثمرين ويظللونها بسحب من الشبهات، ويعتقدون بأن اعداء البيروقراطية يرتبطون بمصالح سرية، استخبارية وغير ذلك من قاموس الشبهات مع المستثمرين القادمين من الخارج، بينما يرى فيه البعض الاخر أنهم يمتلكون الجرأة السياسية بتحررهم من لعبة الواسطات والعطايا والوظائف المناطقية، ويمتلكون التقدير الصحيح لما يمكن أن يستفيدوا منه على المدى البعيد.
وبالرغم من ذلك فان هؤلاء لم يسلموا من الاتهام بالفئوية، بينما هم يفضلون دائما أن يتعاملوا مع شخصيات عملية لقيت الفرصة للحصول على تعليم متميز، وكان هذا التعليم متوفرا في الأردن قبل أن تسقطه البيروقراطية بالضربة القاضية ويتراجع مستوى الخريج الأردني بصورة مأساوية، وهذا ما أسهم في خلق ظاهرة النخب المغلقة، وليست فئوية أو مزاجية اعداء البيروقراطية.
العلاقة مع الولايات المتحدة ليست سبة في النهاية، فالجميع يحاول أن يسترضي الأمريكيين، واليوم تعيش الجماعات الإسلامية شهر عسل مفتوحا مع الولايات المتحدة، وتطلب هذه الجماعات وساطة من بعض السفراء لتتنازل وتجلس على طاولة واحدة مع حكومات الدول التي تعمل فيها، وهل يعني العمل في السفارة الأردنية في تل أبيب العمالة لاسرائيل وتشابك المصالح مع “العدو الصهيوني”، هذا كلام خطير ينسحب على رجال مهما اختلفنا حولهم لا نشك في وطنيتهم وإخلاصهم مثل علي العايد ومعروف البخيت.
لن تكون هذه اخر المعارك مع خصوم البروقراطية، ويمكن أن تمتد مساهمة التفكيك للكفاءات الأردنية لتفرض نفسها، ونجد أن سفيرنا في الولايات المتحدة مثلا لا يجيد اللغة الإنجليزية، وفي فرنسا لا يجيد الفرنسية، وكل ما فعله في حياته هو أن انتظر دوره في لعبة المحاباة والترضية.
(الدستور)