الثورة المصرية لا تزال مستمرة رغم محاولات القضاء عليها، وسرقتها، فجيل الآباء والشيوخ فى قيادة الأحزاب والحركات السياسية، إضافة للمجلس العسكرى.. كلهم وبلا استثناء همشوا الشباب الذين فجروا الثورة وكانوا وقودها الدائم.
شيخوخة العمر والفكر داء عضال أضعف ثورتنا، وكان أحد أسباب سوء أداء المجلس العسكرى الذى قاد البلاد فى المرحلة الانتقالية ببطء شديد، أقرب لزحف السلاحف المعمرة، بينما كانت الثورة تتطلب تحركا سريعا وخيالا سياسيا وفكرا غير تقليدى.
السرعة البطيئة للعسكر والنخبة السياسية العجوز بددت الوقت والجهد، فإذا بالمرحلة الانتقالية تنتهى دون كتابة الدستور واستعادة الأمن والاستقرار وعجلة الإنتاج، تلك العجلة التى وظفت من أجل تشويه الثوار والإساءة للمليونيات والمطالب الفئوية المشروعة للعمال والموظفين.
شباب ثائر وتحركات عمالية طموحة بينما العسكر وحكومات الثورة عجوزة، بطيئة الإدراك والفهم والتفكير والفعل، كذلك كانت ردود أفعال النخبة السياسية سواء فى البرلمان أو خارجه بطيئة ومترددة، والأخطر منقسمة على نفسها وانتهازية، من هنا أضاعت هذه النخبة الوقت والجهد فى معارك كلامية وإجراءات قضائية تعكس الفشل فى الحوار والتوافق على تأسيسية الدستور، وعلاقة الدين بالدولة والحريات ودور الجيش وصلاحياته فى الدستور.
انقسام النخبة حول هذه القضايا يعكس تفاوتا فى السرعات والأزمنة بين إخوان وسلفيين وليبراليين ويساريين أغلبهم يعيش فى الماضى، وثورة تعيش الحاضر وتتطلع بقوة إلى المستقبل، شباب ثائر يحاول العيش عبر الإنترنت فى زمن مجتمعات المعرفة، وشيوخ فى السن والفكر يعيش كل منهم فى الماضى على طريقته وبحسب تفصيلاته الأيديولوجية.
تأمل برلمان ما بعد الثورة ستجد أفكارا وأزمنة تتجاور لكن لا تتعايش أو تتفاعل، وستجد اختلافا فى الأزياء والأفكار وأساليب الكلام والنقاش. لذلك فشلوا فى الاتفاق على القضايا ذات الأولوية التى يحتاجها المجتمع، وبالتالى جاء الأداء العام للبرلمان أبطأ وأقل كثيرا من المهام التى تتطلبها عملية استكمال الثورة واحتياجات الناس.
الكارثة أن انقسام النخبة السياسية العجوز وبطء حركتها انتقل إلى شباب الثورة، فالقطاع الأكبر من شباب الإخوان والسلفيين سايروا بطء شيوخهم واستسلموا لأفكارهم واتفاقهم مع العسكر، وبالتالى انسحبوا سريعا من الثورة والميدان، ورددوا خلف شيوخهم فكرة انتهاء شرعية الميدان لصالح شرعية البرلمان، كما تجنبوا أى صدام مع العسكر، فلم يشاركوا فى محمد محمود أو أحداث مجلس الوزراء.
انسحاب شباب الإخوان والسلفيين من الميدان قلل من سرعة اندفاع الثورة وزخمها، لأنه من الصعب استكمال المسيرة الثورية بنصف قوتها، لذلك تعثر أداء شباب الثورة ووقعوا فى أخطاء ترجع أساسا إلى التفاوت وعدم التوازن بين قوة شباب الثورة المنتمين للقوى المدنية، وبين جسد الثورة العملاق.
وعندما عاد الإخوان والسلفيون إلى الميدان قبل ثلاثة أسابيع، كانت الثقة بين شباب الثورة قد تراجعت، وتعمق التفاوت فى الأزمنة والسرعات، فبعد تأخير لأكثر من سنة لحقت القوى الإسلامية بقطار الثورة، ورفعت شعار يسقط حكم العسكر، وعادت إلى الاعتصام فى التحرير وتعطيل المرور وعجلة الإنتاج!! والمطالبة أمام ماسبيرو بتطهير الإعلام. كل هذه التحركات جاءت متأخرة للغاية، وبعد أن تعمقت الخلافات بين شباب الثورة، واختلفت السرعات والأهداف وربما الأطماع، ويبدو أننا سنشهد مزيدا من التفاوت والانقسام أثناء انتخاب الرئيس وكتابة الدستور. فهل يتعلم شباب الثورة الدرس، ويتجنبون مكر الشيوخ وجمودهم وانتهازيتهم، ويستعيدون التعاون والعمل الجبهوى المشترك بينهم من أجل إنقاذ الثورة.