في الجلسة المسائية التي عقدها مجلس النواب أول من أمس (الاثنين الماضي)، لم تدم الجلسة -الأخيرة من عمر الدورة العادية الثانية- سوى ساعة واحدة فقط، إذ فقدت نصابها بعد ذلك (نصاب الجلسة 61 نائبا)، ما أدى إلى رفعها وعدم استكمال مناقشة مشروع قانون الأحزاب السياسية (قانون إصلاحي)، والوقوف عند المادة 15 فيه.
أمس، وبعد 20 ساعة فقط من تعذر استمرار عقد جلسة النواب أول من أمس، حشد النواب أنفسهم لحضور الجلسة المشتركة التي عقدت لغرفتي التشريع لفض الاشتباك التشريعي حول القانون المؤقت للتقاعد المدني الذي رفضه مجلس النواب قبلا، وأدخل عليه الأعيان تعديلات.
النواب، وبقدرة قادر استطاعوا حشد 105 أعضاء تحت القبة في جلسة أمس، فيما أظهروا عدم قدرة قبل 20 ساعة فقط على تأمين استمرار جلسة تشريعية يناقش فيها أحد أهم قوانين الإصلاح السياسي (الأحزاب).وبعد هذا، أيمكن القول إن للمجلس الحالي رؤية إصلاحية يريد السير فيها؟!
فالمجلس وباختصار “فشل” في اختبار الإصلاح، وفي محاربة الفساد، وفي فتح حوار مع مؤسسات المجتمع المدني الحية، وفي وقف العنف المجتمعي والجامعي، كما فشل في كبح جنون الأسعار، وفي ردم عجز الموازنة، وفي محاربة الواسطة والمحسوبية والشللية، وفي تعزيز قيم المواطنة والدولة المدنية.. إلخ.
إذا أردنا تقييم الأداء النيابي في مجال الإصلاح، بعد انتهاء الدورة العادية الثانية، أي بعد انتهاء نصف عمر المجلس الدستوري (4 سنوات)، فإن النتيجة التي نخرج بها بعد 6 أشهر من التشريع هو إقرار قانونين ضمن رزمة قوانين الإصلاح، هما الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، والبلديات.
أما في مجال محاربة الفساد، فحدّث ولا حرج. فالمجلس لم يدِن في هذا الصدد سوى وزير السياحة الأسبق أسامة الدباس. وبعد ذلك، وخلال جلسة الأحد الماضي، كاد أن يصوت على إعادة محاكمة الوزير من جديد وبراءته، ولم يدن أحدا آخر في هذا الموضوع رغم أنه فتح ملفات هائلة من ملفات الفساد التي ما فتئ المواطن يتحدث عنها.
ولم يقر النواب قانون الضمان الاجتماعي وهو مطلب شعبي، ولا قانون ضريبة الدخل.
ولم يسأل المجلس الحكومة عن قانون حماية المستهلك، وحتى قانون المالكين والمستأجرين الذي أقره النواب وعادوا ووقعوا على مذكرة تطالب بالتعديل، وهو ما حصل في قانون البلديات أيضا.
في الخلاصة، فإن ما تحقق أن النواب استطاعوا تأمين تقاعد لهم مهما كانت فترة خدمتهم، وما يزالون يعملون على الحصول على جوازات سفر خاصة لهم حتى بعد التقاعد.
في هذا الصدد، أستذكر أن النائب “العتيق” ممدوح العبادي وقف في إحدى جلسات مجلسه وحث زملاءه على السير في المجال التشريعي، وقطع شوط أطول في مناقشة بعض القوانين، ولكن بدون فائدة.
وفي المحصلة، بقي قانون الأحزاب بدون إقرار، وسارع المجلس إلى عقد جلسات متواصلة للنظر في تقارير لجان حول ملفات تدور بشأنها شبهات فساد. ومن يقول إن من حسنات هذا المجلس إقرار قانون نقابة المعلمين، وكذا التعديلات الدستورية، فإن التاريخ ما يزال موجودا ولم يتلف، والذاكرة ما تزال محشوة بقرارات شطب كلمات من نواب طالبوا فيها بنقابة للمعلمين، باعتبار أن المطالبة مخالفة للدستور.
أما التعديلات الدستورية، فإن الكل يعرف أنها جاءت بناء على إرادة ملكية، وتم تشكيل لجنة خاصة لها، وقبل ذلك كان البعض يعتبر أن الدستور خط أحمر ولا يجوز المطالبة بتعديله تلميحا أو تصريحا، بمعنى “يخلِف على ما يسمى بالربيع العربي”.
وبالعودة إلى قانون التقاعد المدني المؤقت، فإنه لا بد من التذكير أن القانون هذا أصدرته حكومة سمير الرفاعي إثر توجيهات ملكية سامية، هدفت إلى عدم منح النواب تقاعدا بعد خدمتهم.
وهذه التوجيهات والقانون صدرا قبل أن يشرع مجلس النواب السادس عشر بمهامه، بمعنى أن المرشحين (لاحقا نواب) كانوا يعرفون وقت ذاك أن دخولهم إلى مجلس النواب السادس عشر لا يوفر لهم تقاعدا بعد ذلك، وبهذا ارتضوا، وخاضوا معركتهم الانتخابية وفقا لذلك، ولم يضربهم أحد على أيديهم لكي يصرفوا أموالا طائلة على حملاتهم الانتخابية، أو أن يستدينوا لتوفير الأموال.
لكن، بعد أن جلس النواب الجدد تحت القبة، كان أول قراراتهم رد القانون، فذهب إلى غرفة التشريع الثانية (الأعيان) بحسب التسلسل التشريعي.
ومجلس الأعيان لم يدرج “مؤقت التقاعد” على جدول أعمال جلساته أو لجانه، فهوجم من قبل نواب، ومورس ضغط على رئيس الأعيان أكثر من مرة.
بعد التعديلات الدستورية بات لا يجوز أن يحتفظ مجلس الأعيان بأي قانون مؤقت لديه لأكثر من دورتين عاديتين، ولهذا قرر المجلس السير في إجراءات النظر في القانون، فأدخلت لجنته تعديلات جوهرية عليه قالت فيها إنه يستحق الراتب التقاعدي من له خدمة 6 سنوات سابقة تضاف إليها أربع سنوات في مجلس الأمة مهما كان عدد سنوات الخدمة.
بطبيعة الحال هذا التعديل لم يعجب النواب فرفضوه، وأصروا على موقفهم، وأصر الأعيان على تعديلهم فذهب المجلسان إلى جلسة مشتركة عقدت أمس.
مبررات كثيرة يسوقها نواب في ظلال تبرير رفض القانون، ومنها أن عدد النواب الذين لا يسري عليهم القانون ما بين 11 إلى 17 عينا ونائبا، وهذا ربما تبرير منطقي إذا تم النظر إلى الأمر من تلك الزاوية فقط، ولكن، وكما سلف، فإن هؤلاء خاضوا الانتخابات وهم يعرفون بأمر القانون والتوجيهات الملكية بشأنه، وبالتالي لا يجوز لهم أنه يعودوا إلى الشعب الأردني بأثر رجعي، ويعملوا على تعطيل تشريع أمر به الملك، وأيده سواد الشعب، لأنه يمس أوضاعهم
الغد