الاصلاح نيوز : كتب – ناصر قمش /
المسيرات والاعتصامات التي شهدتها المملكة في مختلف المحافظات قلبت المعادلات التقليدية لانتاج النخب داخل المجتمع الأردني بصورة لم يسبق لها مثيل منذ عدة عقود.
فبعد ان كانت قيادة الرأي العام الأردني مقصورة على بعض رجالات الدولة وشيوخ القبائل والأحزاب العملاقة ورموز المعارضة التقليدية فأنها آلت اليوم الى قيادات جديدة من خارج الصفوف التقليدية التي اعتادها المجتمع الاردني
معادلة انتاج النخب الاردنية مثلت احد ابرز التحديات امام النظام ،الذي تمكن في الماضي من خلق حلقات وسيطة جسرت المسافة بينه وبين مكونات المجتمع على اساس من التكامل في الادوار وليس المنافسة عليها، وساهمت في تعزيز الاستقرار والسلم الجتماعي.
وعلى مدار العقود الماضية استعانت الدولة بالحلقات الوسيطة التي شكلت اكبر عون للدولة في التواصل مع ابنائها سواء في ردعهم عن التطاول على مقدراتها،او التعبئة والتحشيد والتأطير لقضاياها وتحدياتها،ويحفل التاريخ المحلي بالشواهد التي اكدت دور هذه النخب في تكريس هيبة الدولة ومأسستها،وقد تمكنت الدولة الاردنية من عبور اخطر المفترقات التاريخية من خلالها .
وإذا كانت صناعة المزاج العام في السنوات الماضية من انتاج واخراج رجالات الحكم وجماعة الاخوان المسلمين التي تعتبر اكبر تيار سياسي في البلاد فأنه يمكن القول ان سلسلة الاحتجاجات التي شهدتها الشهور الاخيرة لم يكن لها فيه اي دور يذكر وان عملت على ركوب موجتها.
ففي فرصة غير مسبوقة تمكن المعلمون من الخروج إلى الشارع ومن تكوين كيان نقابي استطاع أن يقود إضرابا هو الأول من نوعه في المملكة، وفي النهاية استفدنا من تجربة معقولة في الأردن، وأصبح لدى الأردنيون العديد من التوجهات المختلفة التي يمكن أن تتفاعل لمصلحة الوطن .
فالاحتجاجات التي صدرت عن المعلمين وتسببت بتعطيل الدراسة واحراج الحكومة فيما يتصل باوضاعهم كانت عفوية وساهمت بافراز عدد من القيادات الوطنية الاردنية التي تشارك في تحريك الرأي العام وتحظى بحضور جماهيري في الاوساط المحلية .
ولكن السؤال الأهم في حراك المعلمين هو الى اي درجة تمكن المعلمون من ابعاد وإقصاء الانتهازيين من صائدي الفرص والباحثين عن الدور، ولنا في نتائج الانتخابات الاخيرة للنقابة خير دليل على ذلك.
وفيما تكرس عدد من المتقاعدين العسكريين كشركاء اساسيين في التشجيع على المسيرات فأن الظواهر اللافتة تتمثل في سطوع نجم بعض الشباب في المناطق البعيدة عن العاصمة كاحد المحركات الرئيسة لحركة الاحتجاجات الجماهيرية في المدن الاردنية تكتب عنهم الصحافة وتتوقف الفضائيات عند رأيهم.
مسيرات الجمعة ليست حكرا على المعارضين التقليديين فقادة الحراك الميدانيون وهم مجموعة من نشطاء اليسار الشبان مما يستدعي التوقف امام تنامي ظاهرة بروز نخب جديدة في المجتمع الاردني بعيدة عن المراكز التقليدية وقدرتها على تحريك المزاج العام بعد ان ظل ذلك حكرا على فئات محددة .
الدولة الاردنية تقف اليوم امام معادلات جديدة ومعقدة في فهم الحراك الاجتماعي ولكنها تفهم متغيرا وحيدا فيها ان هذه النخب جاءت من خارج حضنها ورعايتها، ونفهم نحن امرا واحدا ان هذه النخب لن تكون قادرة على قطف ثمار عملها في ظل عدم قدرتها التنظيمية على مواجهة الاسلاميين وتفردهم بجني الغنائم.