جوبهت زيارة مفتي الديار المصرية علي جمعة، برفقة الأمير غازي بن محمد، إلى القدس المحتلة بعاصفة من النقد في الأوساط الدينية والسياسية.
ويبدو أن الشيخ جمعة على وشك أن يفقد منصبه جراء قبوله الدعوة الأردنية.
الزيارة لم تكن الأولى؛ فقبل أسبوعين، قام الأمير هاشم بن الحسين، يرافقه الشيخ حبيب الجفري، بزيارة مماثلة، أثارت ردود فعل محدودة.
في الزيارتين، اكتفى الجانب الرسمي الأردني بالإعلان عنهما في وسائل الإعلام بعد حدوثهما، لكنه التزم الصمت أمام سيل الانتقادات، ولم يقدم تفسيرا لهذا التوجه.
لا يشك أحد في نوايا الأردن والأمراء الهاشميين تجاه القدس؛ فمنذ سقوط المدينة المقدسة في قبضة الاحتلال الإسرائيلي، لم يتوان الأردن عن تقديم كل ما باستطاعته لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، والتصدي للمحاولات الإسرائيلية لطمس المعالم العربية للمدينة التاريخية.
وقد حفظت معاهدة وادي عربة حق الأردن في رعاية المقدسات في القدس إلى حين قيام دولة فلسطينية مستقلة.
لكن الزيارة الأخيرة خرجت عن نطاق هذا الدور، ووقعت في المحظور السياسي.مفتي مصر ليس رجل دين فحسب، بل صاحب منصب سياسي.
والرجل لم يكذب خبرا؛ فما إن وصل إلى القاهرة حتى أعلن أن الديوان الملكي هو الطرف المعني بترتيبات الزيارة. ومن جهتها، تكفلت الصحافة الإسرائيلية بالكشف عن أن الزيارة تمت بالترتيب مع الجيش الإسرائيلي وليس وزارة الخارجية!
غالبية ردود الفعل على الزيارة جاءت سلبية، أقساها كان من جبهة العمل الإسلامي.
أما في مصر والعالم العربي، فإن الهيئات الدينية والسياسية، وخاصة الأزهر، أجمعت على رفضها واستنكارها.بهذا المعنى، فإن الزيارة تنطوي على مجازفة كبيرة لم تُحسب عواقبها بشكل صحيح. فقد تجاوزت الانتقادات شخص المفتي المصري لتطال دور الأردن وأهدافه من وراء هكذا نشاطات.
إسرائيل تسعى جاهدة إلى إقناع العالم أنها تكفل حق المؤمنين من أتباع الديانات في ممارسة شعائرهم بحرية في “عاصمتها الأبدية” القدس المحتلة.
ولهذا الغرض لا تتردد في تسهيل مهمة الحجاج من البلدان العربية والإسلامية، بينما تلاحق المتضامنين الأجانب ضد الاحتلال في المطارات قبل وصولهم إلى تل أبيب.
زيارات من النوع الذي تولينا ترتيبها مؤخرا تخدم، من حيث لا ندري، سياسة إسرائيل الرامية إلى اضفاء الشرعية الدينية على احتلالها البغيض للقدس.
وفي قاموس السياسة، يعد هذا الأمر تطبيعا، ولا أحد يرغب في أن يرى الرعاية الأردنية للمقدسات تتحول إلى جسر للتطبيع مع الاحتلال.
الغد