قليلون هم المؤيدون لقانون الحكومة الأخير, الأحزاب المختلفة أعلنت رفضها للقانون وقالت فيه الكثير, باعتبار أن استخدام نظام الكوتا للأحزاب قد أطاح بحلمها نحو بناء مجتمع سياسي قائم على القوى الحزبية باعتبار ان الأحزاب هي أعلى مراحل التنظيم من ناحية والإطار القادر على مناقشة قضايا المجتمع على صعيد الوطن من ناحية ثانية, وكبديل عن العشيرة والطائفة والاقليم من ناحية ثالثة!?, فالتجربة التي قادتها الحكومات المتعاقبة عبر القوانين والتشريعات الانتخابية المختلفة جعلت العمل المنظم حاضنة العشيرة أو البلدة وافرازاً لذلك الطائفة والعرقية مما أوصل الأردن الى عنق الزجاجة على كافة الصعد !? حيث أصبحت المحاصصة الجغرافية سيدة الموقف وهذا أدخلنا في صراعات صغيرة وضيقة جعلت من مسألة الانتماء للوطن مسألة مؤجلة أمام تأجيج حالة الروابط العائلية والجغرافية, مما جعل من المواطن في كثير من الأحيان قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار أمام أي قضية, حيث احتلت القضية الصغيرة المكان الأوسع في ذهن المواطن أو في مشروعه التطوري نحو المستقبل خلافاً لما هو مأمول ومتوقع ومنسجم مع حق امتنا في حياة حرة كريمة.
إن أبسط القراءات المتوقعة كانت أن تجد الحكومة فيما قدمته لجنة الحوار من مشروع هدية لها على طبق من ذهب لتحقق إصلاحات وتشريعات أخرى ذات علاقة, باعتبار ان مخرجاتها كانت خلاصة لحوار المحافظات والألوية ومن خلال الصحف والإذاعة والتلفزيون وأصحاب القرار في كل مكان,. فمريح للحكومة وهي ورثت هذه المخرجات ان يسجل لها انها أنجزت مشاريع الإصلاح التي قد تساهم في امتصاص حراك الناس المتصاعد, لأن الإصلاح الاقتصادي متواضع ومن طبيعته انه يسير ببطء شديد, اما وقد اختارت الحكومة الحوار من جديد مع مختلف الجهات التي سبق ان ساهمت في مخرجات لجنة الحوار, في وقت تزداد الظروف الاقتصادية سوءاً لتبدأ من المربع الأول, فإن هذا يشير الى تأكيد واضح على أن الحكومة ليست صاحبة ولاية ولا تقرر من تلقاء نفسها, وأنها ما زالت جزءا من صاحب الولاية الذي قد لا يكون الأقوى في منظومة حكمت الأردن خلال السنوات الماضية, والتي اعتمدت نهجاً واضحاً في الإقصاء والوصاية والزعم أنها الأنضج والأقدر على معرفة مصلحة الأردن وتقرير مستقبله.
إن العقلية التي تعاملت مع قانون الأحزاب وقانون الانتخابات اليوم هي نفسها التي انقضت على قانون انتخابات (89), واستبدلته بقانون الصوت الواحد في سنة 1993 وهي نفسها التي صاغت وتدخلت بالانتخابات البلدية والنيابية لعام 2007 واللاحقة في عام ,2010 وهي ما زالت تعتقد أنها تمتلك زمام المبادرة على صعيد الشارع, باعتبارها الحزب الأكبر والأكثر انتشاراً والأقدر على اتخاذ القرار وصياغته والترويج له وإقناع المواطنين به عبر وسائل كثيرة أولها مجلس الوزراء كصاحب ولاية, وآخرها الحضور الواسع بأوساط اجتماعية مختلفة مروراً بأصحاب الأعمدة الصحافية أو محرري القنوات الإعلامية سواء كانت مرئية أو مسموعة.
إن لجنة الحوار عندما تحدثت عن قوائم على صعيد المحافظة وأخرى على صعيد الوطن بإعداد ما بين (15-20) كانت اكثر إقناعاً مما اقترحته الحكومة بالكوتا الحزبية اذ ان الحكومة بذلك ناقضت المبادئ الاولية في صياغة الحقوق, فمن المعروف ان الكوتا مطلب كما جرت العادة!? نتمنى ان تعلمنا الحكومة من هي الاحزاب التي طالبت بالكوتا الحزبية, حتى يخرج علينا القانون بها !? أي كوتا هذه التي تفرض ولا تمنح بناءً على طلب من جهة ما !? إن لجنة الحوار عندما جعلت من المحافظة مرجعاً لمرشحي الوطن كانت تحاول ان تقترب من التمثيل الأفقي للمحافظات وكذلك الأمر عندما جعلت القائمة المفتوحة محلاً للانتخاب راعت رمزية المرشح بإطار المجموع أي مراعاة الأنا وعلاقته الجدلية مع ال¯ نحن باعتبار ان العلاقة الجدلية هذه بينهما فيها مراعاة لتطوير نظام القوائم الانتخابية التي باعتمادها على النسبية تعني أن الوطن للجميع, وللجميع آن يساهم في بنائه وهذا لن يكون الا من خلال القوائم النسبية على صعيد المحافظ وعلى صعيد الوطن وهذا ما اقترحته لجنة الحوار في المحصلة النهائية, والتي تماسكت في الأشهر القليلة الماضية في الدفاع عن هذه المخرجات بعد ان كان يقول الكثير من أعضائها انها لا تمثل الطموح بأي شكل من الأشكال.
لقد كنا ننتظر أن تلغى دوائر البدو باعتبارها أصبحت من الماضي, لان هذا التعبير لم يعد قائماً بعد ان أصبحوا جزءاً من المحافظات الأردنية وقد يتداخلون في سكناهم مع الآخرين من أبناء الأردن, وأن حقوقهم وحقوق الأردنيين في المدن أصبحت واحدة, ففي عصر الحقوق السياسية أصبح واضحا ان لا عودة الى الوراء ولا مجال لتقسيم المواطنين بين حضر وبدو ومسيحيين ومسلمين وشركس وشيشان…الخ إنه الحلم أن نصبح أردنيّين فقط وأن يكون التنظيم الحزبي الذي يجمع كل هؤلاء هو (البوتقه) التي تنتج الأردني المنتمي لأرضه وأمته كوسيلة وحيدة لمواجهته التحديات التي يتعرض لها الأردن وتتعرض لها الأمة العربية في حاضرها ومستقبلها.
إن الأردنيّين كمواطنين ومسؤولين ابتهجوا كثيرا عندما أصبح الصوت الواحد والدائرة الوهمية من التراث! ولا نعلم من هو صاحب العبقرية في فرضهما على الأردن في حينه لكن هذا القانون يعيد الينا هذا العبقري مرة أخرى عندما يقرر ان هناك مقاعد تعويضية! أي تعويض هذا الذي يتحدث عنه القانون !? إنه هاجس السلطة الخفية التي ما زالت موجودة.
إنّ هدفنا الأسمى ان يكون النائب ممثلا للأمة لا ممثلاً للحي او المدينة أو القضاء أو اللواء. ان قانونا لا يدفع قدما نحو الحياة السياسية ليس قانوناً, وأن حصر حق الناخب بصوتين فيه اعتداء على حقوق المرشحين فالقوة التصويتية تصبح مقبولة بصوتين اذا وزعت المقاعد بالتساوي على اغلب الدوائر, وبحدود (3) مقاعد او اربعة كحد اقصى, مع تثبيت مبدأ النسبية في إعلان النتائج بديلا عن خمسة مقاعد للحزب الذي يحصل على ثلث الأصوات في دائرة الوطن, وترك الفوز للحاصل على أكثرية الأصوات بالنسبة للدائرة المحلية باعتماد القائمة المفتوحة, وخلاف ذلك لن يكون القانون الا تكريساً لما هو سائد والذي خرج الناس عليه معترضين ومطالبين في أكثر من مناسبة بضرورة تجاوزه باعتباره عاملاً من عوامل الازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نعيش.
نعم للقائمة النسبية على صعيد المحافظة, نعم لقائمة الوطن بمقاعد لا تقل عن (20%) من مقاعد المجلس دون إخضاعها لكوتا الأحزاب والمناطق, نعم لإلغاء دوائر البدو ونعم لتقليص كوتات المسيحيين والشركس والشيشان باعتبارهم مواطنين أردنيين متساوين في الحقوق والواجبات بعد مرور ما يزيد على القرن بتواجدهم في الأردن.
العرب اليوم