مع أنني مصاب بعقدة كراهية السياسة الأمريكية، لأنها داعمة للكيان الصهيوني النازي، ومعادية للشعوب وتطلعاتها نحو حياة حرة كريمة، وتقف خلف كل كارثة سياسية او عسكرية أو حرب أهلية أو طائفية أو صراع إثني في أية بقعة من بقاع العالم، فثمة جزئية صغيرة في الإدارة الأمريكية تثير إعجابي، وهي معايير النزاهة الصارمة التي تطبق على كبار مسؤوليها، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي نفسه.
ضمن هذه الجزئية فإنني أُعجبُ بشفافية الإدارة الأمريكية في أربعة جوانب، الأول هو الإعلان بكل وضوح عن الدخل الحقيقي للرئيس الأمريكي وأسرته سواء المتحقق من عمله الرسمي كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، أو من أعماله الخاصة كتأليف الكتب والمذكرات، والثاني تواضع هذا الدخل وخصوصاً دخل الرئيس الناتج عن عمله الرسمي، والثالث بالرغم أنه يرأس أقوى دولة اقتصادية في العالم فلا يتيح له ذلك التطاول على المال العام لدولته، كما لا تسمح له سلطاته الواسعة بنهب أي شيء منه، والرابع أن الرئيس يخضع للقانون الأمريكي شأنه شأن أي مواطن أمريكي آخر، فيدفع ما عليه من التزامات ضريبية.
من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة الإقتصادية الأولى في العالم، ولديها مطبعة العملة العالمية الأولى وهي الدولار، والتي تعمل على مدار الساعة بلا توقف، والولايات المتحدة هي المتبرع الأول والرئيسي بالمساعدات النقدية والعينية للدول الفقيرة والتي تقدر بعشرات مليارات الدولارات سنوياً، وبالرغم من ذلك فلا يتجاوز إجمالي الدخل السنوي للرئيس أوباما 790 ألف دولار، نصفه يتأتى من تأليف الكتب، وبعد دفعه لمبلغ 162 الف دولار كضريبة، واستبعاد مبيعات الكتب فإن دخله الصافي من وظيفته كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية يبلغ 314 ألف دولار سنوياً، أو ما يعادل 26 ألف دولار شهرياً، وهو ما يقل كثيراً عن راتب مسؤول أية مؤسسة عامة في أية دولة من دول العالم الثالث، أما رواتب كبار المسؤولين في دول العالم الثالث فهي في عداد الأسرار الخطيرة التي لا يجوز البوح بها، ولا يجوز حتى مجرد التفكير بالسؤال عنها أو التطرق لها، ومع ذلك لا يساورني أدنى شك بأن الكثير من كبار مسؤولي دول العالم الثالث تعد ثروات الواحد منهم بمئات ملايين الدولارات، بالرغم أن دولهم تعد من أفقر دول العالم، وأن متوسط دخل الفرد فيها هو من أقل المستويات العالمية.
في الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاد دولة هو الأقوى عالمياً وفيها رؤساء يعملون بدخول متدنية جداً ربما هي الأقل عالميا، أما دول العالم الثالث ذات الاقتصادات المنهكة والمأزومة التي تقبع على على شفير الانهيار والإفلاس، ففيها زعماء وكبار مسؤولون يُعدون من أثرى أثرياء العالم.
kasasbehb@Gmail.com