ليس الفساد حكرا على الدول النامية أو المتخلفة, بل هو ظاهرة عالمية تكاد لا تخلو منها بلد في العالم, وقد ردّ أحد المسؤولين العالميين الأزمة المالية الأخيرة التي ضربت العالم سنة ,2008 إلى الفساد الذي استشرى في المؤسسات المالية والمصرفية الكبرى, بنهب الأموال, وتوسيع دائرة المنافع والمكاسب, وفي الشركات والإدارات الحكومية, بتجاوز القوانين, وضعف الرقابة والمحاسبة.
وإذا كانت الدول المتقدمة, مع ما فيها من شفافية, وحرية رأي, وآلية محاسبة, وأجهزة رقابة, لم تنج من غول الفساد, فإن الدول النامية, بغياب الرقابة والمحاسبة وحرية النقد, هي التي يبدو فيها الفساد بصوره الشنيعة, أوضح, وأشدّ ضررا على الناس, إذ يصيب كل شأن من شؤون الحياة والاستثمار والإنتاج, ويؤثّر في مستوى حياة المواطنين, وهو الذي يأكل الأموال التي كان يفترض أن تُنفق على رعاية الناس وتعليمهم وعلاجهم, وتوفير فرص عمل للشباب, وهو الذي يخلق فجوات بين أبناء الشعب الواحد, ويعمّق الكراهية بين مكوّنات المجتمع, ويملأ الصدور حقدا, سرعان ما يتفجّر لدى أول احتكاك أو مشكلة.
ولخطورة الفساد وأضراره على المجتمعات, قامت منظمة الأمم المتحدة بإصدار قرار سنة ,1997 نصّت فيه على أن الفساد خطر يهدّد استقرار المجتمعات وأمنها, ويقوّض القيم الديمقراطية والأخلاقية, ويعرّض التنمية الاجتماعية والاقتصادية للخطر, ومع ذلك لم يتوقّف الفساد لا في الدول المتقدّمة, ولا في الدول النامية, ويكفي أن نعلم أن كلفته في الدول العربية تزيد على 300 مليار دولار سنويا, تضيع على مواطني تلك الدول الذين يتضوّر معظمهم جوعا, ويعانون من سوء الخدمات, وذلك بسبب الحكام الديكتاتوريين, والأنظمة الشمولية القاسية.
تقول دراسات البنك الدولي إن الدول التي تكافح الفساد, وتعلو فيها سيادة القانون, وتنتشر فيها الشفافية والحكم الرشيد, يزيد دخلها القومي أربعة أضعاف, وتنخفض فيها وفيات الأطفال بما يزيد على 50%, فهل نتساءل بعد ذلك لماذا نحن في العالم العربي فقراء وخدماتنا الصحية والتعليمية سيئة? ولماذا لا يأخذ حكامنا بسياسة الحكم الرشيد والشفافية قبل فوات الأوان? وهل نغالي إذا قلنا إن الفساد بأنواعه هو الذي كان وراء ثورات الشباب العربي من تونس إلى مصر إلى اليمن إلى ليبيا إلى سورية إلى المغرب إلى البحرين إلى عمان إلى الجزائر إلى السودان….?
الدول العربية خسرت معظم ثرواتها الوطنية بسبب الفساد السياسي والاقتصادي والإداري, واستقرارها مهدد, وشبابها يعانون من بطالة قاسية, وخدماتها المعيشية والتعليمية والصحية متردّية, وأبناؤها مشرّدون في أصقاع الأرض بحثا عن فرص عمل أو حياة كريمة, في الوقت الذي يبدّد فيه حكامها المليارات على تسليح لا يحمي, وترف وتبذير يضرّ ولا ينفع, فهل نتساءل بعد ذلك لماذا لا تتقدّم دولنا, وترتقي شعوبنا? ولماذا يعمّ الحنق الناس عامة?
qatamisamir@hotmail.com