تقترب منّا ذكرى النكبة، وسنستذكر في الشهر المقبل أربعة وستين عاماً من الهزائم، وبهذه المناسبة فـ”شيء من التاريخ” لن يضر، ومن قراءة العدد الصادر يوم الثامن من شباط العام 1948 من صحيفة “فلسطين” اليافية، قبل ثلاثة أشهر من النكبة والهجرة، نشعر وكأننا نقرأ صحيفة يومية هذه الايام، حيث ابتعاد القول عن الواقع.
فالعنوان الرئيس يتحدث عن افتتاح “مجلس الجامعة العربية في أخطر دورة عقدها حتى الان” لبحث قضية فلسطين، وعنوان اخر يقول: الناطق باسم الهيئة العليا: ستبقى فلسطين عربية إلى الابد، ولن تقوم للصهيونية قائمة فيها..
وفي وسط الصفحة: معارك عنيفة ونسف اوكار في القدس، 100 مجرم يهاجمون “عين ماهل” فيقتلون حماراً ويعودون باصابات! معركة اخرى في قرية “كويكات” قرب عكا وفرار المهاجمين اليهود، المناضلون الابطال يكبدون اليهود خسائر في الارواح ويغنمون ذخائر وأعتدة وادوات للاسعاف.
وايضاً: حرمة الاقصى انتهكها اليهود! هذه الجريمة لن تغتفر- استنكار الاعتداء، و: في حوادث متفرقة في يافا والقدس وحيفا- مقتل 4 من اليهود واصابة 7 اخرين بجراح- قطع اشجار بيارة يهودية وهدم منزلين عربيين بيد الجيش.
وفي الصفحة الاخيرة، نقرأ خبرا عن ان اليهود جرحوا راعيا وخطفوا اخر مع ابقاره قرب مدينة الخليل، ونعرف من سياق الخبر ان مختار القرية ابلغ البوليس بالحادث فتوجهت قوة من البوليس والجيش الى المستعمرة واستعادت الراعي والابقار سالمين بعد ان قام ضابط الجيش بتهديد مختار المستعمرة باتخاذ عدد من الاجراءات في حالة عدم اعادة الراعي وابقاره.
وفي الصفحة نفسها نقرأ بيانا لرئيس بلدية يافا الدكتور يوسف هيكل يستنكر فيه حوادث سلب رجال البوليس اسلحتهم، لان المدينة الان في حالة دفاع عن كيانها ويجب ان يتركز كل الجهد على هذا الهدف، ومما كتبه الدكتور هيكل نفسه بعد ذلك بسنوات كثيرة نتذكر انه سافر الى العواصم العربية المختلفة المجاورة للحصول على اسلحة للدفاع عن يافا لكن الرد كان دائما سلبيا.
وفي الصفحات الداخلية، نقرأ ايضا وايضا خبرا ننشره بالنص: على إثر هروب اليهود من فلسطين بالجملة برا وبحرا وجوا رأت الهيئات اليهودية ان تستفيد ماليا من هذه السفريات الى الخارج بعد ان عجزت عن منعها ففرضت عليها ضريبة مالية قدرها 7 في الماية من نفقات سفر الرأس الواحد، وهكذا اوجدت لها مردودا جديدا من المال.
بعد ثلاثة أشهر من هذا كله، كانت يافا قد افرغت من اهلها، ووقع ثلاثة من الباقين وثيقة الاستسلام للقوى اليهودية الغازية، واتضح بالضرورة ان ذلك الخبر عن الهجرة اليهودية المعاكسة لم يكن صحيحا، كما في الكثير من الاخبار الاخرى.
ما اشبه اليوم بالبارحة..
وهو شيء من التاريخ..