أفرز لنا الربيع العربي مؤشرات خطيرة لدى المدرسة السياسية الإسلامية ، وقد كنت أحد المحذرين من السعي إلى الهيجاء بغير سلاح ، أعني دخول مرحلة السلطة بغير برنامج شرعي واقعي مكتوب ، وها نحن نرى وصول الإسلاميين في تركيا وأفغانستان والسودان والمغرب وتونس ومصر وليبيا وربما أقطار أخرى على الطريق. إذا كان الإسلاميون يقدمون أنفسهم بديلاً لما هو موجود فعليهم أن يقدموا برنامجاً ينتقل بالواقع نحو الأفضل وهذا يعني دراستهم لواقع الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً واخلاقياً وتعليمياً وفكرياً وصياغة بدائل وحلول تنطلق من الفكر والفقه الإسلامي الذي يراعي الواقع ويتدرج به نحو الأفضل.
وإذا لم يفعل الإسلاميون ذلك فلن يكونوا مختلفين عن غيرهم بل ستتم الإساءة للإسلام باعتبار خلط الناس بين الإسلام والإسلاميين. لقد وصلت طالبان للسلطة في أفغانستان فراحت تقاتل تمثال بوذا وتضيق على المرأة ، وتولى عمر البشير السلطة باعتباره إسلامياً مع حزب الترابي وإذ بالسودان ينقسم في عهده ولاتلتفت الأمة لهذه الجريمة لأنها مشغولة بالربيع العربي.النموذج التركي هو النموذج الناجح حتى الآن بالرغم من عدم إعجاب بعض المتحذلقين به ، وسار على درب الأتراك من حيث الشكل إسلاميو المغرب وتونس ومصر ولكن بطريقة فيها تبرع بالكلام وتنزيلات في الإعلام ، فقد سمعت أحدهم يقول (لن نحكم شريعة الله !!!) وقال آخر (لن نمس معاهدة السلام) وقال ثالث (لا مشكلة مع الشواطئ المختلطة) وهكذا في تبرع سخي لوسائل الإعلام بدون مبرر.
هذه التصريحات تعبر عن عدم وجود برنامج قابل للتطبيق وإنما ردود فعل على ما يجري ، وعدم وجود البرنامج يعود لتقصيرهم في معرفة الواقع الحالي للدولة وعدم التدقيق في التعاليم الإسلامية التي تحدد الثابت والمتغير حسب الزمان والمكان والأشخاص.
المطلوب من الإسلاميين الابتعاد عن ردود الأفعال وتحديد الإجابة على المشكلات الكبرى من فقر وبطالة لأن سبب الثورات كان بسبب اقتصادي وليس بسبب الشواطئ أو الغناء أو اللباس القصير. على الإسلاميين أن يرسموا خطة للتخلص من المديونية التي تعاني منها الدول العربية والإسلامية ، عليهم أن يفهموا الصراع الدولي والمدى الذي يمكن ان يصل إليه الفعل الإسلامي ضمن وجود دول كبرى تسيطر على الإقتصاد والقرار العالمي وتهيمن على المال والصناديق الدولية.على الإسلاميين أن يحددوا طرحاً إسلامياً للقضية الفلسطينية يكون قابلاً للعرض على الدول الكبرى مع ملاحظة أننا في ظل انعدام التوازن بل التفرد الغربي ووقوف كل دول العالم مع « إسرائيل « فكيف إذا انضم لهذا تمزق الأمة العربية والإسلامية.
لا نتحدث بلغة التشكيك في الإسلاميين بل بلغة الغيور ونقد المحب حتى تنجح الأمة ولو بتدرج فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.