نتمنى أن تقوم مراكز الدراسات بدراسة علمية جادة حول المشروع الاخواني السياسي في المنطقة العربية, ليس من زاوية الاسلام والشريعة ولكن من زاوية الاهداف السياسية ومناخ الربيع العربي.
والمشروع الاخواني السياسي بني على فكرة استعادة ووراثة الخلافة العثمانية ففكرة الوراثة مركزية في التفكير السياسي الاخواني.. وواضحة في التعامل مع الانظمة القطرية العربية في هذه المرحلة, كما ان العودة للشريعة كقانون للحكم في السياسة والمجتمع ايضاً بعد مركزي ثابت.
أما ما طرأ على الخطاب الاخواني حديثاً من شعارات ديمقراطية شبيهة بشعارات الحركات الليبرالية واليسارية والقومية, التي كانت الحركة الاخوانية على طرفي نقيض معها فيما مضى فهي لمواكبة الطروحات السائدة في هذا العصر وخاصة في شوط الذهاب الى السلطة, اما بعد الاستحواذ على السلطة فستخضع هذه الشعارات لنصوص الشريعة أي اقصاء كل ما يخالف الشريعة من منطلق الفقه السلفي للشريعة.
نحتاج الى دراسة جادة لمعرفة ما هو ثابت وما هو متحرك من المفاهيم السياسية الاخوانية, فالوسائل التي توصل الى الحكم والعوامل التي تحكم عملية تمكين الاخوان في ظروف غير ملائمة او معادية لهم في اغلب الاحوال تعتبر عوامل متغيرة يمكن التخلي عنها, فالدعوة السلمية للتغيير تم تجاوزها الى العنف في اكثر من ساحة عربية.
وكذلك خيار التعاون والتحالف مع قوى سياسية اخرى فهذه ايضاً من العوامل المتغيرة التي تمليها الضرورة وهذه قد تسقط أيضاً اذا تبدلت الظروف, لأنها استثمار سياسي لدرء الخطر أو جلب المنافع ومن أمثلتها تحالف الاخوان طويلاً مع النظام الاردني الهاشمي الذي وفّر لهم الحماية والرعاية, من منطلق ترفع الهاشميين والاردنيين عن معاداة فصيل ديني سنّي يدعو الى الاسلام, فعندها اختلفت الظروف بدا هذا التحالف عبئاً ثقيلاً على حركة الاخوان, وبدأنا نرى رموزاً اخوانية متطرفة تدفع بالحركة بعيداً عن النظام السياسي الاردني.
ولا يختلف الامر مع القوى الحزبية اليسارية والقومية التي تتحالف حالياً مع الاخوان لتعظم دورها في المعارضة السياسية ولا الشخصيات المستقلة, التي وجدت في حركة الاخوان المعارضة مركباً سياسياً للعبور الى طموحاتها السياسية.
فهذه القوى ضرورة مرحلية يمكن استخدامها في شوط الذهاب الى السلطة والتخلي عنها عند انجاز المهمة كما حدث للحراك الشبابي والقوى اليسارية والليبرالية والمستقلة التي قامت بثورة الربيع العربي قبل ان يختطفها الاخوان، فهذه من مستلزمات الحشد في شوط الذهاب للسلطة، وفي مرحلة اضعاف السلطة القائمة.
وهذا يقودنا الى حقيقة اساسية ان المشروع الاخواني ديمقراطي بالضرورة في مرحلة الذهاب للسلطة لكنه في الجوهر مشروع اقصائي سياسيا، اذا ما انعقدت له الغلبة، وقد يكون السلوك الاخواني السائد في النظام السياسي الجديد في مصر هو النموذج المرشح للتعميم في الساحات العربية الاخرى.
،فالقوى الليبرالية واليسارية والقومية التي تستمد مبادئها السياسية من الديمقراطية الغربية ومفاهيمها وقيمها ستنتهي في ساحة الخصوم السياسيين وليس الحلفاء عند وصول الاخوان الى السلطة.
فالذي يحكم مصر الان تحالف الاخوان واخوانهم السلفيين، بينما القوى الاخرى خارج دائرة التأثير والقرار.
والمعركة السياسية التي دارت حول لجنة كتابة الدستور مثال على نمط السلوك السياسي الذي يتبناه الاخوان واجندتهم السياسية فالمجتمع المصري بجميع اطيافه حتى الازهر الشريف احتج على الاستحواذ الاخواني لكتابة الدستور. كما ان عزل الجيش عن دوره في هذه المرحلة الانتقالية وعزل الحكومة المصرية الحالية هدف واضح.
،والهجمة الاخيرة على ترشيح عمر سليمان، وعمرو موسى كشفت مدى استحكام الاقصاء والاستحواذ السياسي على تفكير الاخوان في مصر، فقد سارع الاخوان الى تبني قانون اجتثاث الفلول، لاقصاء كل من يشكل خصماً سياسياً لهم والتشهير به حتى لو لم يكن مداناً قضائياً.
نسأل، ما هي الرسائل السياسية التي يرسلها الاخوان المسلمون الى الناس في الوطن العربي، في ضوء شروطهم المسبقة, اليست استبدال استحواذ باستحواذ وفرض ارادة واجندة الاخوان السياسية وتصويرها بانها الارادة الشعبية, ونسأل ما هو برنامجهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي التنفيذي الذي يميزهم عن غيرهم.
لم نر من هذا البرنامج سوى فرز الناس الى فريق دفع أمامي وفريق شد عكسي! فمن يتحالف معهم اصلاحي ومن يخالفهم فاسد ضد الاصلاح وكأنهم يستعيدون أسلوب الفرز والاقصاء السياسي الذي قسم العرب في الحقب الماضية الى ثوار تقدميين أو رجعيين متخلفين ولكن بصيغة جديدة.