اشتغلت قدر ما أستطيع على أخذ الحكومة إلى مشروع النظام الانتخابي الأفضل. وإذ بدا أن رئيس الوزراء، ولا أدري من أيضا من شركاء القرار!!
لا يريدون توصية لجنة الحوار الوطني، فقد اشتغلت على نظام مختلط بين الفردي والنسبي، يحقق بدرجة معقولة أهداف التنمية السياسية ويعالج السلبيات.
لكن، كنت ألمس بأسى أن الآذان موصدة إزاء الأفكار.
وأسمع الآن مقولات تتردد أن ما قدم لنا فيه بصمات التدخل من جهات أخرى، وليس بصورته التي أرادها الرئيس.
ولكن ما أعلمه أن الرئيس كان يردد فكرة الصوتين والصوت الثالث لقائمة وطنية مغلقة على أساس التمثيل النسبي الوطني.
وإذ أصبحت فكرة إدخال التمثيل النسبي في النظام الانتخابي واردة، فقد بقي لدي أمل أخير شددت عليه، بأن تستخدم الفكرة بطريقة تفيد التطوير السياسي الوطني.
وكان لدي مقترحات مختلفة في هذا الصدد، وحذرت قدر ما أستطيع من الطريقة الأسوأ المطروحة، وهي القوائم الحزبية المغلقة.
لكن كما يقال “لا توصِ حريصا”؛ فلم يتمّ فقط اختيار الطريقة الأسوأ على الإطلاق، بل تمّ التفنن في جعلها أشدّ رداءة من أي توقعات، حتى إن الصيغة باتت كاريكاتورية فعلا.
جوهر ما تريده كل البدائل التي فكرنا فيها هو شبك المرشحين في المحافظات وعبر المحافظات بتحالفات وقوائم (تحالفات وقوائم حقيقية، وليس صفقات تحتية وكاذبة).
لكن مشروع الحكومة قام على النقيض تماما، وذلك: أولا، بفصل الدوائر ومقاعدها بالكامل عن نظام التمثيل النسبي؛ وثانيا، بتخصيص 15 مقعدا معزولة للقوائم الحزبية.
وإمعانا في عزل القاعدة العريضة الشعبية ومرشحيها في المحافظات عن العملية السياسية، فقد اشترط مشروع القانون للمنافسة على هذه المقاعد اقتصارها على الأحزاب المرخصة منذ عام على الأقل؛ أي إنه قطع الطريق على القوى الجديدة الصاعدة لمرحلة الربيع العربي في المحافظات، والأغلبية الكبرى الطامحة للمشاركة ولم تشكل أطرها السياسية بعد، والشخصيات المستقلة والمحترمة وهي بأغلبها ذات توجه وطني وديمقراطي وليبرالي.
وإذ كان واضحا بهذه الطريقة أن ساحة المنافسة على المقاعد الخمسة عشر الوطنية ستترك بصورة ساحقة لجبهة العمل الإسلامي، فقد تم ادخال قيد غير منطقي وغير ديمقراطي، هو أن تقتصر القائمة على 5 مرشحين. وهكذا، حتى لو حصل حزب على ثلاثة أرباع الأصوات، فإنه سيحصل فقط على ثلث المقاعد، والبقية حتى لو كان مجموعها 10% من الأصوات تتقاسم ثلثي المقاعد.
ويتكفل بمنع الإسلاميين من تقديم قائمة ثانية وثالثة شرط أن تكون القائمة فقط لحزب مرخص منذ عام على الأقل.
هكذا أصبح إدخال التمثيل النسبي للقوائم على القانون تشويها بشعا وكاريكاتوريا للنظام الانتخابي، بدل أن يكون أداة تحديث وتطوير انتخابي وسياسي! معقول يا جماعة هذا التذاكي في الردّ على مطلب إدخال التمثيل النسبي؟!
ألا فليذهب التمثيل النسبي إلى الجحيم. إن اقتصار النظام الانتخابي على التمثيل الأغلبي بالصوتين في المحافظات، بل حتى بالصوت الواحد، أفضل كثيرا من هذا التشويه البائس!..
وللحديث صلة
الغد