عبدالهادي راجي المجالي
منذ اسبوع وأنا في عيادات الأطباء , ..بأختصار كسرت يد أبني (زود) والأطباء،، حيروني بعضهم ينصح بالجبيرة والاخر لا ينصح
…وأنا إمعانا في القلق كسرت الخزانه التي سقط عنها زود …مشكلتي يا بن الجنوب المتعب يا ولدي ..أني اخاف عليك من رذاذ سجائري فكيف يدك حين تكسر ؟…يقولون قلب الأم حنون أكثر ..وأظنهم كذبوا فقلبي مكسور عليك من اول الوريد ..الى اخر الكرك .
،أنت في الخامسة من العمر وأعرف أنك لا تجيد الكتابة بعد وقد تعلمت للتو كتابة اسمك في (الكي جي 1) وستكبر ذات يوم تكبر.. حد المشيب وقد أكون أنا تحت التراب في الكرك… وقد تقلب في أرشيفي ,، وربما ستقرأ هذا المقال الذي أخطه الان عنك من وجعي …واريدك ان تعرف أني لم أنم ليلة أمس امضيت الوقت عند رأسك…اراقب أنتفاخ يدك المكسورة وأقاتل الناموس .وصدقني أني سمعت صوت ناموسة …فقررت أن أقاتلها خوفا من أن تمس جسدك الطفولي الجميل ….هل عرفت ماذا يفعل الحب بالمجانين أمثالي يجعلني أقاتل الناموس ؟
،(زود)… أسمحلي أن، اكتب لك نصا يليق بمقام الحب ومقامك العالي …نصا يليق بجبهتك التي تشبه جبهتي , ولكنها احلى وأجمل وأنقى , نصا يليق بوطني وأنت وطني …
،ذات يوم وقبل أن يستشهد وصفي التل بأسبوع كان يصعد درجات رئاسة الوزراء على عجل …قابله أحد الساسة على الأدراج وكان أن مازح وصفي قائلا :- أنت تصعد الأدراج سريعا (أبا مصطفى) ..ستكبر وسيغزو الشيب رأسك وستصبح عجوزا مثلنا بطيء الحركه …فكان من وصفي أن ضحك مطولا ورد عليه :- (خسيت …طلقة الحر بين العيون) .
من حقنا أن نحلم بجيل يشبه وصفي يا (زود) ولو قليلا , نحن نتاج بيروقراط رسمي ونتاج (كوليسترول ) وطني خالص , ويدخل في تشكيلنا أيضا الرضى الذي نحظى به من مدراء البنوك حين نأخذ قروضا تمتاز بتسهيلات خاصة …..وأياك أن تكون مثلي يابن الجنوب المتعب القلق كن حرا …والطلقة الغادرة (ديدن ) كل حر يا بن التراب الأردني الشامخ .
تعلم سيرة وصفي واقرأ كتاب حابس …وذات يوم ستعرف أن هناك ضابطا أردنيا أسمه (عطاالله غاصب) …كان قائدا لفرقة ما حوت في سجلاتها غير الاسود ..الأسود، أوقع في العدا حين عبروا حدودنا الذبح وصهر (120) دبابة من دباباتهم، قبيل بزوغ الفجر بقليل …ولم يرخ القبضة أبدا عن البندقية …وقيل يا ولدي إن جنودنا كانوا ينشدون في ذاك الصباح خلال معركة التحمت فيها دبابات (السنتوريون) مع الوية المحتل المجنزرة :-( طلي يا بسمة وشوفي أفعالنا أنت عليك أتزغردي وحنا حماة دروعنا) …
،ولدي ..
،من حقي أن احلم بك ..رجلا مثل عطاالله غاصب مثل وصفي مثل خالد هجهوج …من حقي أن أحلم , انت لا تعرف أنهم صادروا كل شيء حتى الدمع صودر ..ولم يبق لنا في دفتر العمر القلق هذا سوى الأحلام ..ومالذي ينقصك يابن الجنوب والتراب الحر؟ ..أن تكون مثلهم أسدا أردنيا …يطوي الصباح بندقية على زنديه …ويعلن أن العشق حرام أن لم يكن أردنيا .
،مالذي ينقصك يا بن التراب الحر …أنت من الأردن ..أنبل العشائر وأنصع تاريخ واعذب وطن ….وما يحدث يا (زود) الان، ياقلبي وحبيبي ليس سوى تعب عابر وسيعود الأردن من جديد….صدقني سيعود زمن والدة خالد هجوج وهي تنشد له من الكرك ..حين كان يقاتل في الجولان ..وكان الله مع اللواء (40) وكانت المدافع تسبّح بعد الله باسم الاردن :-
،( قطعت أنا حدود سوريا ..وأنا على الولف دواره …يا حارس الشيك وأفتحلي ومن الكرك جيت زواره) .
ابني
اتدري لماذا أنا متعب …لأن الأردن علمنا أن نكسر اليد ..ولم تكسر لنا يد لا في ماضينا ولا في الحاضر الذي نعيش…ومن حقي يا ولدي أن احلم بك مثل هؤلاء الذين كتبوا في التاريخ أسماءهم …من حقي ياولدي ذلك …ومالذي ينقصك حتى تكون مثلهم ….فجبهتك أردنية ..ولون العيون لديك كركيهة …حتى في اللون للكرك هوية …وأنت من تفاصيل الارض وانت من التراب الحر …وانت اعذب ما كتبت وما أنجزت وما فعلت في عمر أرهقته بالحروف والسجائر والبحث عن وطن ضيعته …وأقنع نفسي في لحظات التعب أني أنا الذي ضاع .
قلق عليك يا طفلي ..وأنام الليل أقاتل الناموس من جنون حبي لك وصدقني أني أحيانا ألملم العتمة في يدي وارى جبهتك الغراء تنير أسقف الغرفة وشرايين القلب …..
ستكبر وربما ستقرأ مقالي هذا عنك وتتذكر كيف كسرت يدك في طفولتك قبل عمر …وأنا سأكون يا بن الجنوب المتعب …تحت تراب الكرك الأغر مع أجدادك …
وأحلم بك من الان فارسا أردنيا …من حقي يا فتى أن أرى في وجهك وصفي وعطا الله غاصب وكاسب صفوق من حقي أن ارى خالد هجهوج وحابس …من حقي أن أرى الاسود ….فأنا كما قلت لك ابن الكوليسترول الوطني بامتياز ..وابن البيروقراط القلق ..وابن زمن أطفأ فينا النواظر
،حماك الله يا قلبي ووريدي …حماك الله يا وطني …وأنت يا (زود) أحلى وطن .
