لا تخطئ العين الترحيب الأمريكى بخوض الإخوان المسلمين انتخابات الرئاسة بمرشح، والترحيب بأن يكون هذا المرشح هو المهندس خيرت الشاطر، فى المؤتمر الصحفى الذى تم فيه الإعلان عن اسم الشاطر مرشحا حدد رئيس حزب الحرية والعدالة سببين لتحول الحزب والجماعة عن تعهدهم السابق بعدم التقدم بمرشح رئاسى، أحدهما -كما قال- أنه تم التأكد أن الاتجاه الدولى لا يعارض وجود مرشح إسلامى من الجماعة للرئاسة، وحين نقول الاتجاه الدولى أو النظام الدولى، فهذا يعنى فى المقام الأول الولايات المتحدة.. نعرف أن هناك اتصالات قديمة بين الجماعة والولايات المتحدة، طوال عهد مبارك وربما قبل ذلك.. الولايات المتحدة دولة عظمى، لها مصالح كونية تعمل عليها، لكن ماذا عن مصالح مصر فى هذا الأمر..؟
الواضح أننا بإزاء تشكل دولة إسلامية، وتحديدا دولة الإخوان المسلمين يريدون فيها رئاسة الجمهورية والغلبة فى البرلمان وأحكموا قبضتهم على لجنة الدستور ويسعون إلى تشكيل الحكومة، ولنتأمل المشهد والنتائج المترتبة عليه، خاصة إذا صار المهندس خيرت رئيسا للجمهورية، وتراه التقارير الأمريكية «إصلاحيا وبراجماتيا»، وأنه مهندس الاتصالات الكفء بين الجماعة والمجلس الأعلى وكذلك الولايات المتحدة، لكن صورته هنا، أنه صقر الصقور بالجماعة.. لنتأمل المشهد من جانبنا فى هذه الحالة، حين تكتمل دولة الإخوان ونتساءل: هل القبول الأمريكى بدولة الإخوان دولة إسلامية سوف يكون مبررا للاعتراف بدولة يهودية، وهو الهدف الذى يسعى إليه نتنياهو والمتشددون فى إسرائيل بأن تتحول إسرائيل إلى دولة يهودية، لليهود فقط، بما يؤدى فى هذه الحالة إلى طرد العرب منها.. مسلمين ومسيحيين.. وفى النهاية لن يكون أمام هؤلاء العرب سوى التوجه إلى غزة مما يعنى فى النهاية ضغطا على سيناء، وعودة المشروع الصهيونى القديم بخصوص جعل سيناء مكانا لتوطين الفلسطينيين.
هل قيام دولة الإخوان على هذا النحو سوف يكون فى صالح علاقات مصر مع دول المنطقة وتحديدا دول الخليج، نعرف أن هناك شكوكا وريبة فى الخليج تجاه الإخوان، حدث ذلك منذ سنة 1990 ثم ازداد فيما بعد، ولعل من تابع تصريحات قائد شرطة دبى مؤخرا يدرك هذا بوضوح، ونعرف أن هناك قطاعا كبيرا من العمالة المصرية بدول الخليج وتحويلاتهم من العملة الأجنبية تعد ركنا مهما فى الاقتصاد المصرى.. ماذا عن مستقبل هذه العمالة فى ظل دولة الإخوان.. وماذا عن الدور المصرى بالمنطقة..؟
كانت مصر منذ عهد محمد على الدولة الرائدة بالمنطقة، رائدة فى الأخذ بالمناهج الحديثة، والمؤسسات المدنية، لكن حين تصبح مصر دولة تتراجع عن الحداثة وتعود إلى المناهج التقليدية وحين يكون رئيسها دخل الانتخابات بسماح أو ضوء أخضر أمريكى، هنا لا ريادة ولا أى شىء، بل دولة محافظة ومتشددة تضاف إلى دول أخرى شبيهة فى المنطقة والعالم العربى.
لدى كل دولة ميزتها النسبية، المملكة العربية السعودية لديها الأماكن المقدسة، وفى المقدمة منها الكعبة المشرفة والمسجد النبوى وغير ذلك، وهذه ميزة خصها الله سبحانه وتعالى بها تضفى عليها قيمة روحية كبرى، فضلا عن المردود الاقتصادى والمادى الضخم، الذى يضمن لها استقرارا اقتصاديا حتى لو لم يكن هناك نفط.. مصر ليس لديها هذه الميزة لكن لدينا الآثار المصرية.. الهرم.. أبوالهول.. المعابد، ولدينا كذلك الآثار القبطية والإسلامية، غير الآثار لدينا مؤسسات عريقة مثل الأزهر الشريف وجامعة القاهرة وغيرها.. وعندنا رموز النهضة العربية الحديثة من الطهطاوى إلى مختار وحافظ وشوقى وطه حسين والعقاد ونجيب محفوظ وأم كلثوم وعبدالوهاب.. وهؤلاء جميعا يتعرضون للهجوم الحاد، وهناك تربص بالأحياء منهم ورغبة فى الانتقام منهم، يحدث هذا ولم يتمكن المتشددون بعد من مفاصل الدولة.. فماذا لو حدث..؟
تساؤلات كثيرة مريرة ومخيفة مسكوت عنها فى حُمّى الصراع السياسى الذى نعيشه.