يتنقل الطالب الجامعي فراس حمدان بين زملائه، محاولا إقناعهم بتوقيع عريضة تطالب بتعديل قانون العقوبات، ليتم إلغاء الأخذ بإسقاط الحق الشخصي كعذر مخفف في جرائم القتل التي تحدث داخل نطاق العائلة، والتي عادة ما يكون ضحاياها فتيات قتلن بداعي ما يسمى “الشرف”.
فراس، الذي يدرس في جامعة العلوم والتكنولوجيا، وعضو حركة “لا شرف في الجريمة” التي انبثقت عنها حملة جمع التواقيع لإرسالها لاحقا إلى مجلس النواب، تفاجأ بردة فعل بعض زملائه على الموضوع، والتي تباينت بين رفض التوقيع أو استهجان قيام شاب بالاشتراك بحملة من هذا النوع.
إلا أنه يؤكد أن الغالبية أبدت تعاونا وتفهما وحماسة تجاه وقف القتل بداعي ما يسمى الشرف، لافتا إلى أنه استطاع جمع نحو 50 توقيعا خلال ثلاثة أيام فقط.
عاتكة المطارنة هي الأخرى عضو في الحركة التي انطلقت قبل ثلاثة أعوام، وكان أول أنشطتها إطلاق حملة “أين نقف” الهادفة لتوثيق 200 حالة جريمة ارتكبت ضد أردنيات خلال الفترة الماضية، تحت مسمى “جريمة شرف”.
تؤكد المطارنة أنها “مؤمنة جدا” بقضية الدفاع عن حق المرأة وعدم قتلها “زورا وبهتانا”.
وتستغرب اعتقاد البعض أن الفتاة “التي تخطئ تستحق القتل”، مبينة أن الحملة لا تدعو إلى “الانحلال الأخلاقي”، بل “تحاول الدفاع عن حقوق فتيات قد يقتلن من قبل أقربائهن لأخذ ميراثهن وليس لأنهن ارتكبن أي شيء قد يمس سمعة العائلة”.
وتبين منسقة الحملة ريم مناع أن حملة “لا شرف في الجريمة” تحاول الحد من قضايا جرائم الشرف، من خلال تجميع عدد من الشباب المهتمين بالموضوع وتبادل الآراء حوله من خلال الإنترنت، لتعمل بعد ذلك على البدء في تدوين وتوثيق قصص جرائم قتل النساء.
وتؤكد مناع أن أكثر من نصف حالات القتل قام على أساس شكوك، ولحظات غضب لا علاقة لها بالزنا.
ويرى المنسقون أن هناك صعوبات تواجه حملتهم، مثل التسرع في الحكم على أهداف الحملة ومضمونها بدون الاطلاع على عريضة الحملة أو أهدافها، كالاعتقاد مثلا أن الحملة تدعو إلى الحرية المطلقة، وتشجع الفتيات على ممارسة أفعال خارجة على الأطر المجتمعية والدينية والأخلاقية.
غير أنهم يتحدثون كذلك عن قصص دعم كثيرة من الناس ومساندتهم لرؤية الحملة، ليس فقط بتوقيعهم على العريضة، وإنما بمساهمتهم في نشرها إلكترونيا وورقيا.
ويبين منسقون في الحملة أنهم اختاروا المطالبة بعدم إسقاط الحق الشخصي في “قضايا الشرف” لاحظوا أن المجتمع والإعلام والحركات الحقوقية توجه أصابع الاتهام إلى المادة 340 من قانون العقوبات الأردني، والتي تنص على أنه “يستفيد من العذر المخفف مَن فوجئ بزوجته أو إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته حال تلبسها بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع فقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً أو اعتدى عليها أو عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة. ويستفيد من العذر ذاته الزوجة التي فوجئت بزوجها حال تلبسه بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع في مسكن الزوجية فقتلته في الحال أو قتلت مَن يزني بها أو قتلتهما معا أو اعتدت عليه أو عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة”.
لكن مجموعة من المتطوعين في الحملة درسوا أثر وجود تلك المادة على انتشار معدل القتل بحجة “الشرف”، فوجدوا أن كل الجرائم التي ارتكبت بحجة الشرف تقريبا حدثت بدون وجود عنصر المفاجأة، ولم يجد فيها الجاني الضحية في حالة تلبس، وإنما تحدث غالبيتها بناء على شكوك بسلوك المغدورة أو بناء على لحظات غضب ناتجة عن حوار غاضب بين الجاني والضحية.
يذكر أن المادة 340 طبقت مرة واحدة منذ 10 أعوام، وفقا لتصريح سابق لوزير العدل الأسبق أيمن عودة، في حين تبين دراسة للمجلس الوطني لشؤون الأسرة العام 2010 أن 78 % من الجناة لا يستفيدون من العذر المخفف، وأن 70 % منهم يستفيدون من “إسقاط” الحق الشخصي.
وبينت مناع أن الحركة تتبعت صدور أحكام على 22 جريمة قتل بحجة الشرف من العام 2008 وحتى 2010، ليتبين أنه تم تخفيف الحكم على 21 قضية من أصل 22، وأن 17 قضية خفف فيها الحكم لأنّ أصحابها استفادوا من إسقاط الحق الشخصي، فيما خفف الحكم في 3 قضايا لأن أصحابها استفادوا من “سورة الغضب” الواردة في المادة 98 من قانون العقوبات الأردني.