رشاد ابو شاور
لا ردود فعل فلسطينية على رسالة المناضل مروان البرغوثي سوى الصمت، والتجاهل، تجنبا لقول ما يورّط مع الاحتلال، وما يحرج أمام شعب فلسطين.
كأن القيادي الأسير منذ 10 أعوام في سجون الاحتلال، والمحكوم بأربعة مؤبدات.. لم يقل شيئا، وكأن رسالته الجريئة حملتها الرياح ورمتها بعيدا عن المُرسلة إليهم في الضفة وقطاع غزّة من قيادات السلطتين المتناحرتين.
قبل أسبوع توجه مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية المنتخب في فتح، والقيادي الميداني البارز في زمن الانتفاضة، وبمناسبة مرور عقد من الزمان على اعتقاله..برسالة هي برنامج لعمل ثوري يرسم طريقا للخروج من حقبة أوسلو إلى فضاء انتفاضة جديدة، تكون الثالثة بعد الانتفاضة الكبرى، وانتفاضة الأقصى، متسلحة بخبرات مكتسبة من التجربة المرّة لأوسلو، والحقائق الصادمة على الأرض التي يمارسها الاحتلال في الضفة، والقدس، وحصارا على قطاع غزّة، وتدمير كل مناحي حياة الشعب الفلسطيني بغية الوصول إلى اقتلاعه من أرضه.
طلب مروان البرغوثي من قيادة السلطة، وعمليا من قيادة فتح، أن تنهي التنسيق الأمني مع الاحتلال، لأن وظيفة الأجهزة الأمنية بمفهومها البسيط: حماية أمن الشعب.. والبلد، وأجهزة الأمن الفلسطينية لا تحمي أمن الفلسطينيين المستباح من الاحتلال، ولا تصون أمن أرضهم التي تصادر يوميا في القدس والضفة.. بحيث لم يعد هناك أدنى إمكانية لنشوء دولة فلسطينية على أرض متصلة!
ولأن الاقتصاد الفلسطيني تابع تماما ـ أين الأمن الاقتصادي؟ ـ وكل ما يأتي للفلسطينيين يصب في خدمة وتغذية اقتصاد الكيان الصهيوني، فقد دعا المناضل مروان البرغوثي قيادة السلطة لإنهاء تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاقتصاد العدو.. وهذا شكل من أشكال المقاومة، وهو واجب وطني سيسهم فيه كل ابناء شعبنا، بوعيهم بمخاطر انعاش اقتصاد العدو، وهو ما يمكنه من إدامة احتلاله، والتحكم بحياتنا، ودعم مشاريعه الاستيطانية الاحتلالية.
ولأن الشعب الفلسطيني لن يربح معركته مع الاحتلال بدون وحدته الوطنية فقد دعا مروان البرغوثي إلى تحقيق المصالحة بجدية، لأنها المقدمة للوحدة الوطنية، ورص الصفوف لمواجهة الاحتلال لإفشال مخططاته، وتدفيعه تكلفة عالية لاحتلاله.
ولأنه لا يجوز أن يبقى الوف الفلسطينيين والفلسطينيات في قبضة الاحتلال، في سجونه ومعتقلاته النازية الإجرامية، فقد دعا البرغوثي في رسالته إلى عدم إجراء أي مفاوضات جديدة قبل الإفراج عن جميع المعتقلين..وهو بهذا يدعو لتصحيح خطيئة المفاوض الفلسطيني في (أوسلو)، وما بعدها، الذي لم يشترط الإفراج عن الأسرى بمناسبة (سلام الشجعان).. فالقوم كانوا في عجلة من أمرهم للقفز من المنافي إلى (الوطن) و..تلقف الدولة قبل فوات الأوان، مع تأجيل القضايا (البسيطة) وغير (الملحة): القدس، حق العودة، حدود الدولة، الإفراج عن الأسرى الذين بفضلهم وبفضل الشهداء تتحقق الانتصارات الجدية، وليست الخلبية الموهومة!
لا السلطة في الضفة ردّت على رسالة المناضل الصابر الصامد مع ألوف إخوانه وأخواته في جحيم سجون الاحتلال، ولا السلطة (المقاومة) في غزّة معنية بها إلاّ، ربما، بمدى إحراجها لسلطة رام الله.. وقيادة حركة فتح!
قيادة سلطة غزة لم تُحرج قبل أسبوعين، حين تصدت الجهاد للعدوان على القطاع ـ لعلها مناسبة أن أحيي هذا الفصيل الذي لم يغيّر استراتيجيته، ويتوه في الصراع على السلطة، والذي يواصل نهجه المقاوم رغم كل ما يتعرّض له من أطراف عدّة ـ لأنها عاقلة، وتعرف مصلحة الناس في القطاع.. وهو ما لم تكن معنية به حين كانت السلطة الموجودة في رام الله مهيمنة على قطاع غزّة.. لماذا؟ لأن العمليات كانت آنذاك في خدمة( المقاومة).. وتصب في مصلحة الشعب الفلسطيني رغم ما كانت تجرّه تلك العمليات من اعتداءات على أهلنا في القطاع.. والآن اختلف الحال بعد الهيمنة على السلطة في غزّة.. فالمقاومة باتت تجّر خرابا لا مبرر له.. يا سبحان الله!
عندما يطالب مروان البرغوثي بالعودة للمقاومة بكافة أشكالها في الضفة والقطاع، أي ما احتل من فلسطين عام 67 ، فإنه يتوجه برسالته إلى جميع الفلسطينيين في الضفة والقطاع، أي في مناطق السلطتين المتصارعتين، لأنهم المعنيون بالتغيير، وتجاوز حالة العجز التي تتحكم بقدرات أهلنا في الضفة والقطاع، وهو ما تسببت به السلطتان!
في رسالته يتوجه البرغوثي للشعب الفلسطيني حاثا إياه على كسر القيود الوهمية التي تقيّد حركته، والمفروضة على إراداته، فقد آن الآوان للانتفاض على العجز، والرهان على ما لن يأتي..
الجميع شركاء في العجز، وليس الفصيلان (الكبيران) وحدهما.. فالفصائل الصغيرة شريكة ايضا، والمتوسطة شريكة، والمستقلون.. والشخصيات الوطنية شركاء.. والكتاب والصحافيون والمثقفون الفلسطينيون في مقدمة الشركاء في هذا العجز.. لأنهم صامتون إلى حد بعيد، إلاّ بعض الصوات النادرة!
العدو المحتل لوطننا هو الذي أجاب على رسالة المناضل مروان البرغوثي، وبعد أسبوع فقط، فقد قدمه لمحكمة قضت بحبسه انفراديا لأسبوع، عقابا له على ما جاء في رسالته، ودعوته للوحدة الوطنية والمقاومة، و.. إنهاء الخدمات التي تقدمها الأجهزة الأمنية الفلسطينية (لزميلتها الإسرائيلية) و..بموجب أوسلو!
من قرأ كتاب مذكرات مروان البرغوثي الصادر قبل أشهر قليلة في بيروت، عن معاناته في الأسر، والعذاب الذي يتعرض له الأسير/ أو الأسيرة..والآلام النفسية والبدنية التي يتعرض لها من يُزج به في الزنزانة الإنفرادية، بين جدران بالكاد تتسع لبدنه، وحيدا محروما حتى من سماع أي صوت إنساني.. يأكل و..يقضي حاجته بين تلك الجدران التي تضيق عليه.. وتعزله.. واسم هذا العقاب: العزل.. أي وضع الإنسان في عُزلة عن العالم.. لأيام، وأحيانا لشهور..يكلم نفسه فقط في عُزلته، فلا كتاب، ولا راديو.. ولا جريدة.. ولا زميل يتبادل معه الكلام.. لا بدّ أن يشعر بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه الأسرى والأسيرات.. ولا بدّ ان يسأل نفسه: كيف نقبل كشعب، وكأفراد بهذا الذي يحدث لأخواتنا وأخوتنا؟!
ولأن الأسرى والأسيرات لعبوا دورا كبيرا في تأجيج الانتفاضتين، فإنهم، وهم الآن معزولون عن شعبهم، وعن بعضهم، وينكل الاحتلال بهم، ويسومهم أنواعا من العذاب لا تخطر على بال البشر.. فإنهم قد بدأوا يتحركون معتمدين على أنفسهم، رافضين لنسيانهم في غياهب السجون، مبرهنين على الإنسان عندما يؤمن بقضيته، ويحمل راية شعبه، فإنه قادر على الابتكار، وتحقيق المعجزات.. أليس هذا ما حققه الأسير خضرعدنان، والأسيرة هناء شلبي.. وما يفعله آخرون بدأوا إضراباتهم عن الطعام.. يعني انهم يقاومون بلحم بطونهم، وبحياتهم؟!
بالمناسبة ليس صدفة أن هذين السيرين دشنا أسلوبا جديدا في مواجهة السجان الصهيوني المنحط، وأيضا لتوصيل الصوت إلى شعبنا..ووضع السلطتين في (الزاوية) بتقصيرهما، وتمزيقهما لصفوف شعبنا، وترك الاحتلال ينفذ مخططاته بدون خسائر تذكر، فهو يهوّد القدس، ويستولي على الأرض في الضفة، وينهك قطاع غزة بالحصار.. بينما السلطتان تردان بتبادل المزيد من الاتهامات، والنكث بوعود المصالحة، وتحويل اللقاءات بالرعايات العربية إلى فصول من التكاذب والتدليس على الشعب الفلسطيني!
رسالة مروان البرغوثي يجب أن تصل إلى شعبنا، فهو.. وهو وحده من سيرّد الجواب الشافي..بانتفاضة عارمة على الاحتلال، والتخاذل، والخذلان.. وهذا ما يريده اسرانا، وأرضنا، وكل شعبنا في الداخل تحت الاحتلال..وفي الشتات.
أتسمعون هدير الغضب للقدس، والأرض.. والأسرى، والكرامة التي يعتّز بها شعبنا؟!