ما بين السطور، يُقرأ أن التصعيد ضد الحراك ماض، ويبدو أن التلويح بالأمن الخشن بات خيارا محسوما؛ فما حدث عند الدوار الرابع يؤكد أن محاصرة الحراك هي الهدف.
المشكلة تكمن في تقدير النتائج؛ فلا أظن أن من اتخذ القرار بالهجوم على المعتصمين قدر عواقب هذه الخطوة، وما إذا كان التوجه بالضغط على الحراك سيعود بفائدة على البلد أم سيجلب نتائج عكسية، أبرزها زيادة حدة المزاج الشعبي؟
هذا السؤال برسم الإجابة، حتى يتسنى قياس الخطوة التالية ومدى أمانها. المشكلة أن المضي في هذه الطريق يحمل البلد إلى المجهول، ويفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات خطيرة، قد تجر إلى مزيد من التعقيد في المشهد المحلي.
فمن الذي قال إن قمع الحراك والمعتصمين سيسكتهم؟!
ولماذا لا تكون النتيجة عكس ذلك، أي رفع سقف الشعارات وتوسيع مداها، وفي هذا خطورة كبيرة؟!ندين بعض ما جرى عند الدوار الرابع من قبل المعتصمين، والعذر في ذلك أنهم ليسوا معصومين.
وما يحاسب عليه الموقوفون اليوم، بشأن رفع مستوى الشعارات، مسألة مرفوضة ولا تلقى إجماعا حتى لدى نسبة محدودة من المجتمع؛ فالمطالبة بـ”إسقاط النظام” غير مقبولة لدى الأردنيين بمختلف أصولهم ومنابتهم، وخروجها عن البعض لا يعني أبدا الجدية في طرحها، فلماذا الخوف والغضب إذن؟كما أن استخدام الألفاظ النابية من بعض المعتصمين أيضا لا يعبر عن روح الحراك الذي عني بمحاربة الفساد، وتكريس دولة القانون والمؤسسات، وتسريع وتيرة الإصلاح، والتي يبدو أن مراكز قوى رسمية وشعبية تآمرت عليها وتسعى إلى تأخير قطف ثمارها.
اللجوء إلى المنطق ولغة التعقل يفرض على الدولة أن تعيد حساب نتائج خطوة استخدام القوة، خصوصا أن حالة التصعيد لن تخدم أحدا، ولن تولد إلا مزيدا من الغضب، وتوسيع دائرة الرافضين لسياسات التعامل مع الحراك القائمة على منطق القوة.
الحل يبدأ بإخلاء سبيل الموقوفين، والبدء في حوار جاد معهم لسماع همومهم وآرائهم بهدف وضع أرضية متماسكة لتقريب وجهات النظر، وليس زيادة الفجوة بين الدولة والمجتمع.
المشكلة أن مراكز صنع القرار غير مجمعة على هذه الطريقة في التعامل. ففيما يدعو البعض إلى التعامل بليونة مع الحراك، نجد جهات أخرى تضغط باتجاه إسكات الشباب بالقوة، في وقت نرى فيه الحكومة بعيدة عن المسألة، مسقطة بذلك قناعاتها حيال الولاية العامة الكاملة غير المجتزأة.
الخطورة في المسألة أن التصعيد واللغة المستخدمة جاءا في وقت غير مناسب، لاسيما أن البلد يقترب من إقرار قانون الانتخاب الذي ينهي الجدل حول إجراء الانتخابات من عدمه خلال العام الحالي، ويقدم رسائل حسن نوايا حول الجدية في الإصلاح.
على من اختار سياسة التصعيد أن يخبر المجتمع ماذا يريد لهذا البلد وأهله؟
وهل يرى في استخدام القوة سبيلا للاستقرار؟
وهل بالقمع والعنف تهدأ الأمور؟
منذ بدأ الحراك، مر البلد بأحداث قريبة من تلك التي وقعت على الدوار الرابع، لكن الحكمة والتعقل هما من حدّا من الغضب الشعبي، وجعلا الناس تغفر وتنسى وتنتقل إلى مسار جديد بغية حماية البلد، والمضي إلى المستقبل بثبات وأمان. الانفعال في المرحلة الراهنة مدمر، والتفكير بعقل بارد هو المطلوب، كي يربح الجميع، ويخرج الكل راضيا من معركة الإصلاح.
الغد