على المستوى الفردي تعتبر فلوس الخليج مطمحاً لأغلب المواطنين العرب, فالواحد منا يود, عند مرحلة معينة من حياته, لو يتوفر له مَنْ “يدبّره” بعمل بالخليج, وكل مَن له قريب أو صديق هناك يتمنى لو “يسحبه لعنده”, فعن طريق العمل في الخليج يتمكن الفرد العربي من أن “يبني نفسه” أو “يفكفك حاله”.
على مستوى الدول, تحب الحكومات العربية خارج الخليج, أن تحافظ على علاقة جيدة مع الأشقاء هناك, ويبدي الحكام في العادة استعدادهم لدفع شتى استحقاقات تلك العلاقة الجيدة.
لكن الأمور تختلف كلياً على مستوى الأمة العربية ككل ومركزها بين الأمم, هنا لعبت فلوس الخليج دوراً سلبياً بالكامل. علينا أولاً أن نتذكر ان ظاهرة فلوس الخليج بدأت بعد حرب تشرين 1973 وما سمي حينها بـ “الفورة النفطية” ثم ظاهرة “البترودولار”.
كل من عاش تلك الفترة يتذكر من دون شك كيف لعبت فلوس الخليج الدور الأبرز في تحطيم الاندفاعة العربية التي تلت الحرب على كل الأصعدة (الثقافية والاجتماعية والسياسية), فبالضد من صورة العربي القادر على تحقيق النصر, شكّلت فلوس الخليج الوسيلة الأبرز لتقديم صورة أخرى لعربي مستهلك ضحل مستعد للانفاق بلا حدود, وكانت الأخبار اليومية مليئة بقصص فضائح الثراء العربي في العالم.
اليوم يتجدد دور فلوس الخليج وبمرونة عالية استجابة للظروف, فبعد أن شعرت الأمة العربية ككل مع نجاح الشعبين التونسي والمصري بتحقيق انجازات كبرى, بأنها على وشك النهوض نحو استعادة مركزها في هذا العالم, اندفعت وبسرعة قياسية فلوس الخليج لتجديد دورها في كبح مشروع الاندفاعة العربية وتشويه محتواها, ونشأ لهذه الغاية قطاع “مقاولات سياسية” كبير ممول خليجياً ينشر نفوذه في كل الأقطار العربية.