في كل مرة يخرج فيها سعود الفيصل متحدثاً عن الأزمة السورية، تزداد قناعة السوريين بالدور السلبي الذي تلعبه السعودية في تأجيج أزمتهم والحيلولة دون نجاح أي مبادرة لمعالجتها، وهذه حقيقة تأكدت مع خطة العمل العربية التي أطلقت عليها الرياض والدوحة رصاصة الرحمة مع أول بادرة لنجاحها، وتتأكد اليوم أيضاً مع محاولتهما تكرار السيناريو نفسه مع مبادرة المبعوث الأممي كوفي عنان.
إذ في الوقت الذي تنصب فيه جهود الدول الحريصة على وقف إراقة الدماء السورية وتوفير الظروف الملائمة لحل الأزمة، تعمل الرياض والدوحة على تبديد أي آمال بحل قريب، سواء عبر دعمهما وتمويلهما المباشرين للمجموعات الإرهابية المسلحة وتشجيع الدول الأخرى على السير في هذا المنحى، أو من خلال زيادة وتيرة التصعيد الميداني والتحريض الإعلامي، والمفترض أن يتراجعا إفساحاً في المجال لمهمة المبعوث الأممي وجهوده…
ورغم جهود الفيصل المضنية لتبرير تدخل بلاده الدموي في الشؤون السورية عبر ادعاء الحرص على الشعب السوري وما يفرضه الواجب الأخلاقي والديني، إلا أن تاريخ عائلته على الساحتين الداخلية والعربية سواء القريب أم البعيد يفقده أدنى درجات المصداقية في حديثه عن الدول الأخرى، فالأحرى بالفيصل أن يهتم بالدماء التي تسفك في المنطقة الشرقية وبالانتهاكات التي تتم في بعض مناطق المملكة وبالقمع والقتل اللذين تقوم بهما قوات بلاده في البحرين، لا أن يذرف دموع التماسيح على السوريين، الذين يقتلون بمال نفط بلاده المنهوب وبسلاح من قتلوا مئات آلاف العرب، ومع ذلك يستقبلونهم في مملكة عائلته استقبال الأسياد..
ولا نعتقد أنه يحق لمن أفتى لنفسه بجواز اقتحام بيت الله الحرام بالمجنزرات وفعل ذلك مستعيناً بقوات فرنسية، أن يعترض على قيام أي دولة بواجبها في بسط سلطة القانون والنظام وحماية أمن مواطنيها ووحدة أراضيها، وكذلك لا يحق لمن أسهم في قتل مليون عراقي وشرد بضعة ملايين آخرين دون أن يستقبل لاجئاً واحداً أن يتحدث بلغة إنسانية، يفتقدها في مسيرته وحياته وممارساته…
والسؤال…إذاً ماذا يريد الفيصل وحكومته من سورية؟!.
القول إنهما يريدان وقف إراقة الدماء السورية وإيجاد حل سياسي للأزمة الحالية هو مجرد هراء سياسي، فالطريق إلى تحقيق ذلك مختلف كلياً عن ذلك الذي تسلكه الرياض والدوحة، والذي يؤكد بوضوح تام أن المطلوب هو إسقاط الدولة السورية وإشاعة الفوضى التي يمكنها شرذمة سورية لعدة عقود قادمة تماماً كما حاولوا فعله في العراق وما فعلوه اليوم في ليبيا… وما قد يفعلوه غداً مع دولة عربية أخرى.
وبهذا فإنه لا يمكن النظر إلى موقف الرياض إلا كجزء من المشكلة التي تهدد أي مبادرة تصون لسورية الاستقرار والاستقلالية وتحفظ لها كرامتها وخياراتها الوطنية والقومية، وهذا ما أشرنا إليه سابقاً عندما قلنا: إن أهم التحديات التي تواجه مهمة المبعوث الأممي كوفي عنان تكمن في السياستين العدائيتين للرياض والدوحة تجاه سورية دولة وشعباً.