رفض مصدر رسمي إسرائيلي, التعاون مع لجنة دولية, أقرّها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة, للتحقيق في تداعيات إقامة المستوطنات على حقوق الفلسطينيين، وكان المجلس اتخذ قراراً بأغلبية 36 صوتاً وامتناع 10 عن التصويت. الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي صوتت ضد القرار. نتنياهو وصف القرار”بنفاق المجلس” “لأن أي قرار معاد لإسرائيل يحظى بدعم غالبية أعضاء المجلس، الذي عليه أن يخجل من نفسه ” بحسب البيان الذي أصدره مكتبه.
الرفض الإسرائيلي لقرار المجلس, لن يكون الأول أوالأخير، فقرارات للأمم المتحدة ذاتها ولمجلس الأمن وللمحكمة الدولية في لاهاي ولمنظمات حقوقية دولية أخرى كثيرة, سبق وأن أصدرتها هذه المنظمات والهيئات, ولم تجد أذناً صاغية من إسرائيل، التي تتصرف بعنجهية وبصلف غير معهودين في رفض تطبيق كافة القرارات الدولية المتعلقة بالشأن الفلسطيني، فهي وفقاً لقادتها ولحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة أكبر من الأمم المتحدة ومن مجلس الأمن ومن كافة الهيئات، والمنظمات الدولية الأخرى, وأكبر من كل قراراتها، حتى أنه سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيجن وأن صرّح بما معناه: لو أن كل دول الأمم المتحدة اتخذت قراراً اجماعياً ترفضه إسرائيل فلن يكون قيمة للقرار، لان اسرائيل تنفذ فقط ما ترتيئه مناسباً. لم تقم الدنيا وقتها، ومرّ تصريح المسؤول الصهيوني ببساطة كبيرة.
وبالعودة لقرار المجلس، فلقد أصدرت دائرة التفاوض في منظمة التحرير الفلسطينية، مؤخراً بياناً أوضحت فيه: أن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية وصل إلى مستويات يستحيل معها حل الدولتين. من المعروف أن عام 2011 كان هو العام الأكبر في إقامة وتوسيع المستوطنات، وأن العام الحالي وفقاً للمخططات الإسرائيلية سيتفوق على العام الماضي من حيث: مصادرة الأراضي وإقامة مستوطنات جديدة وتوسيع تلك المتواجدة.
الأوروبيون منذ عام 2011 يدركون تماماً تداعيات التوسيع الاستيطاني الإسرائيلي على استحالة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولذلك تمسكوا بتوصيات لقناصل دولهم في المناطق الفلسطينية, فيما أصبح يعرف بــ ( الوثيقة الأوروبية حول الاستيطان) والتي تؤكد بالمعنى الفعلي والأرقام والإحصائيات, الاستنتاج السابق. إسرائيل أدانت هذا الاستنتاج وهاجمت الدول الأوروبية التي تبنته،رغم أن أوروبا وبالمعنى التاريخي وقفت مع إسرائيل والقضايا الإسرائيلية منذ ما قبل إنشائها وحتى اللحظة. إسرائيل اتهمت الدول الأوروبية بالانطلاق من خلفية ” العداء للسامية ” هذه التهمة الجاهزة لمن يشير(فقط إشارة وليس إدانة) للسياسات الإسرائيلية. هذا بالرغم من أن معظم الدول الأوروبية أقرت نهجاً وهو”منع الباحثين والمؤرخين والمثقفين في البحث في الهولوكوست” وكل من يبحث ويشكك في الحقائق الإسرائيلية الصهيونية التي حرصت الصهيونية على فرض وقائعها, فسيعاقب بالسجن لسنوات، وفقاً لقانون يعرف باسم”قانون غيسو”. إسرائيل التي ابتزت أوروبا وما تزال, لا تحفظ وداً للدول الأوروبية التي أغدقت(وما تزال)عليها من الأسلحة والأموال والمساعدات المختلفة: التكنولوجية والعلمية المختلفة, والتأييد السياسي في المحافل الدولية، ليس فقط لا تحفظ وداً لهذه الدول،وإنما تهاجمها إذا انتقدت موقفاً إسرائيلياً واحداً، هذا بالرغم أيضاً من أن معظم الدول الأوروبية بصدد تغيير قوانينها بهدف منع ملاحقة المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين على أراضيها, المتهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية ( مرتكبة ضد الفلسطينيين والعرب) واتقاءً لسجنهم في سجونها، وذلك بسبب اتهامات وشكاوي عديدة تم تقديمها بحقهم إلى القضاء في هذه الدول. إسرائيل رسمياً قامت بتزوير جوازات سفر أوروبية لدول كثيرة من تلك التي تم كشفها في الإمارات العربية بعد اغتيال القيادي في حركة حماس الشهيد: محمود المبحوح. إسرائيل بالتالي تعض الأيادي التي تُحن إليها.
بالتأكيد، ما كانت إسرائيل بقادرة على هذه الممارسات وضرب القرارات الدولية بعرض الحائط لولا التأييد الرسمي والتحالف الاستراتيجي معها من الدولة الأعظم في العالم وهي المتحكمة بكل قضاياه، وهي الولايات المتحدة، التي تمنع إدانات إسرائيل في مجلس الأمن. ورغم الهجوم الإسرائيلي على الدول الأوروبية في أكثر من واقعة،تقف العديد من الدول الأوروبية في مجلس الأمن مع منع إدانة إسرائيل في الكثير من المواقف، ورغم الهجوم عليها تستمر الدول الأوروبية في الإغداق على إسرائيل(مثلما قلنا) في كل المناحي وفي جميع الجوانب،بالتالي فلماذا توقف إسرائيل استيطانها في الأراضي المحتلة؟ عملياً: منع إدانة إسرائيل يزيد من عنجهيتها وصلفها واستهتارها بكل القرارات الدولية, حتى لو أن دول السوق الأوروبية المشتركة وقفت وراء إصدار هذه القرارات .
ما ذكرناه هو حقائق معروفة للقاصي والداني، ولكن نضعها برسم كل المؤمنين والمعتقدين بإمكانية جنوح إسرائيل يوماً لتسوية عادلة مع الفلسطينيين والعرب!.