أساء عدد من نواب مجلس النواب الأسبوع الماضي لمعشر الصحفيين وذلك اثر الانتقادات الحادة التي وجهت للنواب على مساعيهم للحصول على امتيازات شخصية أخرها قرار منح انفسهم جوازات سفر دبلوماسية مدى الحياة. وتضمنت الإساءات كلمات جارحة كوصف الصحفيين بـ الحقراء ورواد الملاهي وغيرها.
صحفيون اعتبروا أن الإساءة بحاجة إلى رد قوي وطالبوا بمقاطعة البرلمان أو على الأقل النواب المسيئين للجسم الصحفي. وهناك من طالب باعتذار من النواب أو من رئاسة مجلس النواب وغيرها من الاقتراحات لمعالجة الأمر.
ولكن حسب رأيي يبدو أن هناك فهمان خاطئان لمجمل ما جرى بين النواب والصحفيين. اولهم خطأ في فهم طبيعة ودور الإعلام. فالإعلام والإعلاميين ليسوا وحدة واحدة أو جهة رسمية ذات تجانس وكيان موحد. الصحافة والإعلام هي ممثلة للشعب وناطقة باسمة كما هم النواب، وبالتالي فإن إساءة النواب للصحفيين تمثل إساءة لأنفسهم في المقام الأول.
فالصحفيون عندما يكتبون والإعلام عندما ينشر فانه يعبر عن نبض الشارع ورائيه، فكاريكاتير عماد حجاج مثلا يمثل اكثر بكثير من شخص عماد. وتعليقات كتاب الأعمدة من المفترض أن تعكس رأي شريحة من الشعب. وتعتمد الصحف عدة كتاب أعمدة وتوفر فرصة لكتابة الرأي لمواطنين عاديين حتى تكتمل الصورة ويتم تمثيل الشريحة الواسعة من المواطنين.
من ناحية أخرى يخطئ الإعلاميون في التفكير في ردود راديكالية مثل مقاطعة النواب لان مثل هذا قرار خيانة لمهنتهم ودورهم في توفير المعلومة للمواطن عما يدور تحت القبة ولكي يكون عمل الصحفي متكامل ومفيد يجب أن تعكس المادة الصحفية عن مجلس النواب كافة الآراء والأفكار حتى تلك التي قد لا تعجب الصحفي.
ولا يعتبر تغطية الصحفي لأمر ما موافقة عليه كما لا يعتبر الصحفي الذي يكتب عن جريمة ما مجرم.
الخطأ الأخر هو تضخيم ما يسمى بالإساءة من قبل الطرفان. طبعا لا احد يحب أن يتم الإساءة له ولمهنته ولكن الأفضل أن يكون للجميع قدرة اكبر على التحمل لما يجري هنا وهناك. فعند تهجم نائب ما الصحافة فانه كما اسلفنا يسيء لنفسة وللمواطن الذي انتخبه والذي تمثله الصحافة.
أما مؤسسة الإعلام كما مؤسسة النواب فلا حاجة إلى حملة دفاعية. الإعلام والإعلاميين يمتلكون وسائل عديدة للدفاع عن نفسهم دون الحاجة إلى رفع وتيرة العمل والعلاقات إلى مستوى التشنجات. صحيح أن هناك نقابة للصحفيين كما للمجلس رئاسة إلا أن نقابة الصحفيين لا تمثل كافة الإعلاميين. فمثلا الإذاعات الخاصة والمواقع الإلكترونية (والتي كانت المكان الأكبر لنقد النواب) غير ممثلة بنقابة الصحفيين.
لكل من الصحفيين والنواب دور مهم مكمل للأخر. وفي الغالب فان العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة الرابعة افضل بكثير من العلاقة بين الإعلام والحكومات. إلا أن الوضع في الأردن يبدو مختلفا وربما يعود ذلك لتشوهات الخارطة الإعلامية التي تسيطر السلطة التنفيذية بشكل مباشر أو غير مباشر عليها، لذلك قد تكون شكوى النواب من بعض الإعلاميين ليس تهجما على الإعلام بقدر ما هو غضبا على الأيدي الحكومية التي تحرك هذا الصحفي أو تلك الوسيلة الإعلامية.
يجب على الإعلام الحر أن يقوم بواجبه خير قيام من خلال تمثيل حقيقي وصادق للمواطن، وعلى النائب أن يلتزم بدوره أيضا في تمثيل المواطن والدفاع عن حقوقه والسعي لتوفير رغبات المواطن في العيش الحر والكريم، أما التجاذبات الجانبية فكلها تلعب في ملعب الطرف الآخر من المواطنة وتسيء لمصلحة المواطن والتي يجب أن تسمو عن كل المصالح.