هي قمة الرموز والدلالات، اكثر مما هي قمة البيانات والمواقف.
وبهذا المعنى يمكن ان تكون واحدة من اهم القمم العربية التي قد تؤسس لعروبة جديدة، او تقدم تعريفا جديدا لتلك الهوية التي لم تعرف يوما الا بواسطة أنظمة واحزاب وتيارات أساءت الى الفكرة وأضرّت بمحتواها.
في الشكل هي إنجاز عربي لا شك فيه ان تسند رئاسة القمة العربية الى رئيس كردي، لا يساوم في هويته القومية ولا يجادل في افقه العربي، وان يسلّم جدول الاعمال العربي للسنة المقبلة الى رئيس وزراء شيعي، لا ينكر انتماءه العربي لكنه يأتي من ثقافة ومدرسة وتجربة وحزب اشتبك مع كل من رفع شعار العروبة ومع كل من استخدمها للاستبداد..
لا يمكن الادعاء ان العروبة صارت رحبة ومتسامحة الى هذا الحد، الذي يدفعها الى التخلي عن أثوابها القديمة البالية وان ترتدي حلّة جديدة لكي تعود الى بغداد، او لكي تستعيد بغداد التي خرجت من هويتها العربية منذ ان غزاها الأميركيون في العام ???? واحتلوها حتى العام ????. في الحالتين ثمة مخاطرة عربية غير مضمونة النتائج، لكنها ليست دليل وهن او إذعان. ما زال الامر بحاجة الى المزيد من الاختبار، مما اذا كان العرب قد اعترفوا رسميا بشرعية العراق الجديد، الذي تحتل فيه الهوية العربية مكانا قصيا.
واذا كان الافتراض انها قمة مصالحة عربية كردية غير دقيق، فان ذلك لا يقلل من اهمية الرمز الثاني الذي تقدمه، وهو انها قمة مصارحة شيعية سنية، في البلد الذي كان على مر التاريخ وسيبقى في المستقبل المنظور خط التماس او الاشتباك الدائم بين السنة والشيعة، بما هم عرب وفرس وترك وبما هم عراقيون اساسا.
ربما كانت هناك مبالغة في القول، إن العرب عادوا اليوم الى بغداد الخاضعة للنفوذ الايراني او على الاقل للمظلة السياسية الإيرانية التي تبقى أوسع من المظلة الاميركية او المظلات الاخرى التي تغطي بلاد الرافدين.. من دون ان يعني ذلك أيضاً تسليما عربيا بذلك النفوذ او حتى الدور الايراني في العراق، ومن دون ان يؤدي بالضرورة الى انهاء الصراع الدائم بين الجانبين على العراق.
لائحة الرموز طويلة جداً، ومنها على سبيل المثال ان العراق بتجربته وعمليته السياسية المتواضعة والمتعثرة، صار نموذجا عربيا لا شك. وما قام على انقاض الدولة البعثية اصبح منارة ليس فقط للأقليات العربية التي تنادي بالفدرالية، بل بات مثالا في كتابة الدساتير العربية وفي صياغة قـــوانين الانتخــاب.. وفي فهم الثورات الديموقراطية التي تهز أنحاء واسعة من العالم العربي.
العلاج عراقي. قد يكون في الامر بعض الافتراء والإكراه، لكنها حقيقة تاريخية لا لبس فيها. التفصيل الوحيد الذي يغيب عن المشهد العربي هو ان اميركا لم تعد المصدر الوحيد للتشريع والتوجيه.. برغم ان روحها تحلق في السماء العربية.