من الواضح أن قضية حل مجلس النواب قبل نهاية العام الحالي باتت هما مؤرقا لبعض من النواب الى الدرجة التي جعلتهم يبحثون عن مكاسب مختلفة قبل المغادرة من قبيل جوازات سفر سياسية وتقاعد مدى الحياة.
ورغم عدم وجود كلف مالية على جواز السفر السياسي ولا يحق توريثه, إلا أن المطلب الأخطر الذي يسعى إليه بعض النواب بضراوة هو الحصول على راتب تقاعد مدى الحياة.
والمشكلة في ذلك تتمثل في أمرين, الأول أننا نتحدث عن عبء آني ومستقبلي جديد على الموازنة العامة يمكن تقديره وفقا للدراسات الاكتوارية التي تحسب الآثار المستقبلية للتقاعد بمبالغ ستصل تراكميا الى مئات الملايين.
أما الأمر الآخر فهو أن مفهوم التقاعد بأشكاله المختلفة لا ينطبق على السادة النواب نظرا لأنه يقوم على عناصر ومبادئ أساسية لا ينطبق أي منها على مجلسي النواب والأعيان.
المبدأ الأول: هو أن التقاعد مبني على فكر التأمين التكافلي بين العاملين أو المؤمن عليهم مقابل اقتطاعات كافية ومستمرة لحين استحقاق الراتب التقاعدي, وهي 300 اشتراك أو 25 سنة اشتراك في قانون الضمان الحالي و240 اشتراك أو 20 سنة اشتراك في التقاعد المدني.
والمبدأ الآخر عدم جواز الجمع بين راتب التقاعد وأي راتب من وظيفة أخرى أو الجمع بين رواتب التقاعد مهما كان مصدرها.
والمبدأ الأخير هو وجوب أن ينتج الراتب التقاعدي في الأساس عن علاقة عمل بين صاحب عمل وعامل.
القضايا الثلاث لا تنطبق على تقاعد الإخوة النواب المحترمين فهم ليسوا بموضع تأمين تكافلي ولن يخضعوا لاقتطاعات لفترة كافية لتبرير للحصول على التقاعد, حيث أن مدة أطول مجلس للأمة إن اكتملت لا تتجاوز 4 سنوات ما يعني أن عدد اشتراكاتهم لن يزيد في أي وقت على 48 اشتراكا, فهل هذا يبرر تحميل الموازنة والمواطن راتبا تقاعديا مدى الحياة قابلا للتوريث والإعانة? ذلك أن تمويل تقاعد النواب وإعانات ورثتهم ستكون على حساب المواطن وجيبه عبر زيادة الضرائب.
على صعيد آخر يُسمح اليوم للنواب الجمع بين المكافأة التي يحصلون عليها من النيابة ورواتب من مصادر تقاعدية وغير تقاعدية أخرى, وبالتالي فسيجمعون في المستقبل بين راتب التقاعد النيابي ومصادر دخل وتقاعد أخرى, ما يخالف ابسط قواعد الرواتب التقاعدية وأسس التقاعد المعروفة عالميا.
وأخيرا فالنيابة, كما يقول النواب دوما في شعاراتهم التي تملأ الشوارع إبان الانتخابات, “تكليف وليس تشريف” وهي ليست وظيفة تقوم على علاقة عمل بأي شكل كان, فهم في المجلس لا يعملون لحسابهم الخاص وهم لا يعملون لحساب الحكومة, بل يراقبون عليها.
الأجدى أن يطالب النواب بوقف تقاعد الوزراء غير المحققين لشرط التقاعد المدني أو تقاعد الضمان, حتى نخفف من فاتورة التقاعد المدني المتصاعد التي باتت تتجاوز مليار دينار وتشكل نحو خُمس الموازنة و5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي, خاصة وأن التقاعد المدني بات يُمنح أحيانا لوزراء إجمالي خدمتهم في الدولة لا تتجاوز 40 يوماً.
فهل يعقل أن يتحمل المواطن البسيط تقاعد أصحاب الدولة والمعالي الذين لم يحقق بعضهم أبسط شروط استحقاق الراتب التقاعدي ويضاف إليه تقاعد جديد لأصحاب السعادة النواب?ش
جيب المواطن لم يعد يحتمل دفع ثمن لقمة عيشه المدعومة فهل نطالبه بدعم أصحاب المعالي والسعادة وورثتهم ومن يعيلون?!! حال المواطن يقول “وأفوض أمري الى الله والله بصير بالعباد”.
العرب اليوم