احتل الأردن المركز السادس والخمسين بين مائة واثنتين وثمانين دولة، في آخر قائمة “الشفافية الدولية” للفساد، ولعلّه من المهمّ أن نستعرض ما جرى معنا خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية، فقد كنّا نتقدّم ونتأخّر حسب ما نقوم به من إقرار قوانين، وتحويل قضايا ونبني مؤسسات، ووصلنا لأعلى تقدّم في العام ألفين وستة، ومن ثمّ أخذنا في التراجع الحاد سنة بعد أخرى.
التراجع لم يكن فقط في الترتيب بين الدول، ولكنّه كان في تسجيل النقاط مقارنة مع أنفسنا في السنوات الماضية، وأتذكّر أنّنا حققنا 5.9 قبل ستّ سنوات، أمّا هذه السنة فلم نُحرز سوى 4.5، في سلّم من عشر نقاط وهو تراجع مؤسف ومحزن.
أعود لمقالة نُشرت في هذه الزاوية قبل ثلاث عشرة سنة، وأنشرها كما هي، لعلّها تفيد: أفرجت منظمة الشفافية الدولية امس عن قائمتها للفساد في العالم، في العام 1999 فاحتل الاردن المرتبة الحادية والاربعين من بين تسع وتسعين دولة، بدرجة 4ر4 في سلم يعتمد الصفر اسوأ الاحوال، والعشرة للدول الخالية من الفساد.
وعلى هذا فقد تراجع موقع الاردن، في القائمة بعد ان كان في المرتبة الثامنة والثلاثين، بدرجة 7ر4 في العام الماضي..
واذا كان ترتيبنا تحت المنتصف بقليل، فان الدانمارك هي الدولة الوحيدة التي اعتبرت خالية من الفساد، والكاميرون هي الأسوأ، اما ترتيبنا بين الدول العربية فكان الثاني بعد تونس، لتأتي بعدنا المغرب ومصر..
على ان الامر ليس جديرا بالفرحة، ففي القائمة ما يؤكد اننا الدولة العربية الوحيدة، التي تراجعت في مكافحتها للفساد، فقد تحسنت مواقف الدول الثلاث، وبعد ان كان الفارق بيننا وبين المغرب درجة كاملة، تقلص الى 4ر0 من الدرجة، بسبب تحسن موقفهم وتردي موقفنا، لكننا نشترك مع اسرائيل في اننا فقدنا 3ر0 من الدرجة!
وفي المقابل، فقد افرجت المنظمة، امس ايضا، عن اول قائمة لها للرشوة في العالم، تتضمن تسع عشرة دولة صناعية كبرى، اتضح منها ان اهم هذه الدول يبالغ في استخدام الرشوة، لاقناع كبار المسؤولين في الدول النامية بالصفقات الكبيرة ولم تستجب من الدول العربية، لاستخدامها كمقياس، الا المغرب، وهو ما يسجل لها، باعتبار ان ليس لديها ما تخفيه..
ولعله جدير بالذكر ان قائمة الفساد التي تنشرها المنظمة، معتمدة من البنك الدولي، كمعيار للدول الجادة في محاربة الفساد، الأمر الذي يؤثر على موقفه من جدولة الديون، ومنحها، او التخفيف منها، وهي قائمة صارت لها مصداقيتها الدولية، باعتبارها تتم على اساس سبعة عشر استطلاعا، قامت بها عشر مؤسسات مستقلة، بينها: معهد غالوب، جامعة بازل وول ستريت جورنال، ايكونوميست انتلجنس يونين، فريدم هاوس..
وعلى هذه الارضية، فنحن نضع هذه المعلومات على طاولة صانع القرار الاردني، لنؤشر الى اهمية محاربة الفساد في العالم الجديد، والى اننا لا يمكن ان نعيش في جزيرة مستقلة، في دنيا مترابطة، متشابكة بشكل عجيب، صار فيه القرار المحلي متداخلا مع القرار الدولي بطريقة لا ينفع معها فك ارتباط..
فعلينا، في البداية، ان نعترف بوجود الفساد لدينا، وعلينا ثانيا ان نحدد اشكاله، وطرق عمله، ثم البدء في محاربته فورا..
وبهذه الطريقة، فقط، سوف نكسب احترام العالم بأسره، وقبله، وقبل كل شيء نكسب احترام مواطننا وأنفسنا.
لعل وعسى!
الدستور