ليس غريبا أن تحظي ثورات الربيع العربي العربي باهتمام المحافل الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني السياسية والفكرية.
،وخلال الأسبوع الماضي كنت ضيفا مشاركا في منظمة التعاون الاسيوي الافريقي, وقبلها في برامج حوارية في فضائيات مصرية وعربية, وكانت ندوة منظمة التضامن تحت عنوان الثورات العربية الحاضر والمستقبل, وكانت مساهمتي في محور خاص بالسمات التي تتميز بها كل ثورة, شرحت فيها كيف أن فرادة الثورة الليبية ضد الطاغية, تأتي من فرادة النظام الذي كان يحكم البلاد, والذي كان نغمة نشازا بالنسبة لكل ما تعارف عليه العالم من أنظمة وقواعد في التعامل والإدارة, ولم تعد هناك في القاموس الليبي مفردات مثل السفير والوزير والمدير ولم يعد هناك تقويم للاشهر القمرية أو الشمسية مثل الذي يستخدمه العالم, ولم تعد اسماء الاشهر, كما هي لدي شعوب العالم, وتختلف ليبيا عن دول الربيع العربي انها دولة نفطية تعيش علي ريع مواردها الطبيعية, ولكن هذه النعمة تحولت علي يد الطاغية إلي نقمة, لانه سخر ثروات الشعب الليبي في جلب ادوات العسف والقهر, وحرم الشعب الليبي, من ثرواته, لدرجة أن جعل مستوي دخل الفرد الفعلي أقل الدخول في العالم, وتنسحب هذه الفرادة طبعا علي المنازلة الاخيرة للاطاحة بالطاغية التي استمرت لمدة ثمانية اشهر دامية, كما تنسحب علي الارث المضاف إلي إرث الدمار والخراب, وهو ارث الضحايا لهذه الحرب من شهداء الثورة والقتلي من كتائب الطاغية, ويصل عددهم إلي مائة الف قتيل تركوا من الارامل واليتامي والثكالي ما سيكون عبئا علي ليبيا الجديدة, وكانت المحطة التي استوقفني عندها المناقشون في هذه الندوة, وغيرها من ندوات هي تلك الدعوة التي نادي بها بعض أهل المناطق الشرقية في ليبيا بالعودة إلي النظام الفيدرالي, الذي ينص عليه دستور الاستقلال, وقلت إن هذه الدعوة قامت علي مجموعة من الاباطيل التي لابد ان نتصدي لدحضدها قبل مناقشة نصيبها من الخطأ أو الصواب, وأول هذه الاباطيل أن الفيدرالية ارث مرحلة الاستقلال, ودستور الاستقلال, لأن الدستور ولد وشكل الدولة تحدد, قبل اعلان الاستقلال, حيث مازالت ليبيا تحت الانتداب البريطاني, وجاء هذا الدستور, وجاء شكل الدولة, تلبية لمعطيات واقع لا يتيح فرصة التعبير الصحيح عن إرادة الناس, وعلاوة علي الانتداب, وحكومته الاجنبية التي تدير البلاد بإدارة العقيد بلاكلي, فإن الجزء الجنوبي من البلاد, وهو كامل منطقة فزان, كان مازال تحت حكم الادارة الفرنسية, وبقي تحت ادارتها بضع سنوات بعد اعلان الاستقلال, كما تم هذا الاستقلال وبرقة كانت امارة يرأسها الامير إدريس السنوسي بترتيب بريطاني, وتمت صياغة الدستور تحت اشراف مندوب للامم المتحدة تم اختياره من قبل دول التحالف التي انتصرت في الحرب الكونية الثانية, ووضعت يدها علي مستعمرات البلدان المهزومة في الحرب, وكان هذا المندوب واسمه ادريان بيلت, يعمل وفق اجندة هذه الدول وتحت اشرافها, وشارك الليبيون بوفود لم تكن منتخبة, وإنما اختيار توافقي لستين شخصا اقروا الدستور, ولا مجال للخوض في كل التفاصيل, ولكن كان هذا الدستور, وكان هذا الاستقلال, وكان شكل الدولة الملكية الاتحادية هو أفضل ما كان معروضا امام الشعب الليبي, لان الخيار الثاني كان الاحتلال, ومشروع بيفن سيفورزا لتقسيم البلاد إلي ثلاث قطع, تستأثر بها دول ثلاث هي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا, واعتبره الليبيون انجازا مرحليا سيسعون لتصحيحه, وكان الملك السنوسي هو ذاته من ألغي الوضع الفيدرالي بعد مضي عشرة أعوام من تاريخ الاستقلال, وتعديل الدستور بما يتفق مع ليبيا الواحدة الموحدة, فهل بعد هذا, يأتي من يقول بمرجعية دولة الاستقلال ودستورها لاعادة الفيدرالية إلي البلاد, إن لم يكن تسويفا وكذبا علي التاريخ, وبعد أن قلت هذا الكلام, أعود إلي القول بأنه نعم لكل فكر ينادي بالفيدرالية, أو ينادي بالملكية, ويريد أن يؤلف حزبا ويدعو الناس لفكرته, فهذا ما يجب أن يكون حقا يكفله له الدستور, بعد انتهاء عهد القهر والاستبداد والطغيان, فلا أحد مهما كانت قوة إيمانه بوحدة البلاد وترابها ومصيرها وكيانها يستطيع أن يعارض هذا الإنسان في الافصاح عن دعواه, ولكن ليس من حقه ان يفعل ما فعله هؤلاء الاخوة الذين اجتمعوا في قاعة في بنغازي, واعلنوا ان برقة اقليم مستقل, وولاية لها قوانينها ومجالسها التشريعية وسلطتها التنفيذية, وتلتقي مع بقية مناطق ليبيا في اتحاد فيدرالي, من وراء ظهر الشعب في برقة وبقية مناطق ليبيا, وربما من هنا جاءت قوة رد الفعل, والغضب الذي واجه به الناس في ليبيا هذه الفكرة, لانك لكي تصل بفكرتك لمثل هذا الاعلان تحتاج لإقناع ثلثي الشعب الليبي, كما تقول دساتير العالم, فيما يتصل بالتعديلات الدستورية وشكل الدولة هو بالتأكيد شأن من شئون الدستور, سواء كان مكتوبا أو غير مكتوب أو ينتظر الكتابة, كما هو الحال في ليبيا التي حددت شهر مايو المقبل موعدا لانتخاب المجلس التأسيسي الذي سيتولي إدارة البلاد بدلا من المجلس الانتقالي, وصياغة قانون الانتخابات لمجلسي النواب والشيوخ وصياغة الدستور, وتأليف الحكومة التي تعقب الحكومة الانتقالية الحالية. وكان ختام ما قلته في ندوة منظمة التضامن هو الدعوة إلي التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي بما يحقق الازدهار والنماء والانطلاق في ركب الحضارة الحديثة بإذن الله.