تثير التفجيرات الإجرامية في دمشق, غضبي, ولكنها تثير, قلقي أكثر. ف¯”القاعدة” أصبحت قاب قوسين أو أدنى …من عمان.
أرجو أن نضع الخلافات حول الصراع الدائر في سورية وعليها, جانبا, ونفكّر في المأزق الذي نواجهه, اليوم, جرّاء توريط الأردن في ذلك الصراع الذي ستنتقل نيرانه إلى بلدنا, خصوصا مع قدرة “القاعدة” على التسلل والتموضع في بلاد الشام المترابطة جغرافيا وسياسيا وبشريا.
تريد ” القاعدة” تحطيم النظام السوري, لكنها تكفّر المعارضة ¯ بما فيها المسلحة أيضا ¯ وتسعى إلى تدميرها أو إلحاقها في مشروع “أفغاني” في سورية والشام كلها. إن أيّ نظرة تحليلية عقلانية للمستقبل, سوف ترينا أنه حتى لو تنحى الرئيس بشار الأسد, وحلّ, في دمشق, نظام يمثّل أكثر المعارضين الإسلاميين تشددا, فإن برنامج ” القاعدة” الإرهابي لن يتزحزح عن خططه, وسيواصل استخدام السيارات المفخخة والانتحاريين ونشر الفوضى, وصولا إلى إقامة إمارات الإرهاب في سورية والمنطقة ( غرب العراق وشمال لبنان والأردن). إن المزيد من تسليح المعارضة السورية, لا يعني سوى المزيد من الفرص لانتشار ” القاعدة”.
ولا تكمن قوة “القاعدة” في سورية والمنطقة بعدد عناصرها, ولكن في الحاضنة الاجتماعية التي تحمي تلك العناصر وتسهّل إقامتها واتصالاتها وتنقّلها وقدرتها على تجهيز مفخخاتها القاتلة. وهذه الحاضنة تصنعها اليوم الأنظمة الخليجية من خلال التعبئة المذهبية والطائفية المكثفة, إعلاميا وسياسيا وماليا وتسليحيا, لإدامة الصراع الدموي في سورية. وها نحن اليوم ننضم, أيضا, إلى مُشعلي الحرائق…
كن, عزيزي القاريء, مع النظام السوري أو ضده. لكن الخلاف السياسي شيء, والتورّط في ترانزيت السلاح إلى الداخل السوري, عبر الأردن, شيء آخر. ليست فقط سُمعة الأردن هي المهددة, وإنما أمنه الوطني أيضا. فنحن نبيع مواقفنا بالمال أولا, ونستجلب الرد السوري ثانيا, ونسلّح مجموعات إرهابية سوف تهدد أمننا في المستقبل القريب ثالثا, ونسهم في صناعة الفوضى في بلد جار سوف تتدفق منه أفواج اللاجئين السوريين والفلسطينيين رابعا, ونضرب مناعة الكيان الأردني إزاء التهديدات المختلفة خامسا, وننسف مبدأ سلمية المعارضة في بلدنا سادسا, ونواجه السؤال السياسي والأخلاقي إزاء منع توريد السلاح إلى فلسطين سابعا.
التدخل العسكري الدولي هو الوحيد القادر على إسقاط النظام السوري بالقوة. وتمنع موسكو وستظل تمنع هذا الخيار ¯ فلندعه جانبا ¯ لكنها تدعم, بالمقابل, إطارا دوليا ذا صدقية لوقف العنف والتسوية السياسية السلمية في سورية. وتقتضي مصالح الأردن الاستراتيجية, الانخراط في ذلك الإطار ودعم فرص نجاحه, وليس المغامرة في إدامة الصراع المسلح والفوضى الأمنية وتاليا الإرهاب, على مسافة مئة كيلو متر من العاصمة الأردنية.
ynoon1@yahoo.com