مرة أخرى ينحدر الخطاب الأميركي إلى درك لا يليق بدولة عظمى ومكانتها، ولا بادعاءات شعاراتية ترخي بظلالها، ومرة أخرى تثبت الادارة الأميركية أن أجندتها في الأزمة التي تواجهها سورية مختلفة تماماً عن كل الشعارات التي رفعتها إلى حد التناقض.
ربما في منهج المحاكمة المنطقية أن لا مفاجآت في ذلك الانحدار، بعد أن اعتاد ذلك الخطاب عليها، وبات يستمرئ انحداره بحجة أو دون حجة، بوجود ذريعة أو دونها.. لكن في المقاربات السياسية التي تشتعل هذه الأيام يبدو متناقضاً مع ذاته، ومع جوهر بنائه السياسي، بحكم أن النتيجة النهائية في أغلب الأحيان تصب في الخانة ذاتها.
حين كان الحديث عن وجود جماعات مسلحة – كان النفي الأميركي أصالة أو بالنيابة عبر وكلائها – يسبق صدى الحديث، وحين بات أمراً واقعاً لابد من التعامل معه بدت المواربات أبرز وأكثر وضوحاً، واليوم حيث الحديث عن استكمال خطوات الاصلاح والاعلان عن موعد الانتخابات البرلمانية، يعود التوصيف إلى ذلك الدرك.
لا أحد لا يعرف التأثير الاميركي على الجماعات المسلحة، أو على من يقودها ويمولها، والأمر ببساطة أن تمارس واشنطن هذا النفوذ، حتى يسلك الحوار طريقه دون عقبات.
المفارقة ليست في التعليق الأميركي بحد ذاته، ولا في المصطلح أو المفردة، وإنما في السياق الذي أنتجه وحاولت الادارة الأميركية أن تمرره من خلال التصورات الموازية التي تعمل عليها، وهي لا نعتقد أنها بعيدة عن الحسابات المستجدة، لأنها لا تستطيع تجاهلها.
ولكن الطرح توطئة لما تحضّر له ومعها الجوقة فرادى وجماعات، خصوصاً أن انطلاق خطوات الاصلاح بهذا الشكل وإنجازها يعني من حيث المبدأ نهاية حتمية لكل الذرائع التي حفلت بها الأشهر الماضية، فيما يبدو الحسم على الأرض وقد حقق خطوات لافتة بتسارعه حين أغلق الباب على المحاولات تلك، ولم يعد بالامكان الاستمرار بها، ومن ثم فإن القصف المسبق محاولة يائسة عبّرت عنها تلك المفردات.
ليس جديداً القول إن الغايات التي تتخفى خلفها القوى والأطراف المشاركة في استهداف سورية مكشوفة، لكنها في محاولة المداورة عليها تفضح نفسها أكثر.. وتمارس كذبها وتضليلها بطريقة أكثر صفاقة من قبل، وتحرك أدواتها ومرتزقتها بصورة أكثر بشاعة مما شهدناه حتى الآن.
اعتاد السوريون أن تُقابل كل خطوة، وكل انجاز على الأرض أو في السياسة بتلك الحملة المسعورة، وكلما اشتد سعيرها وارتفع صخبها وضجيجها وانساقت إلى حضيض آخر، أيقن السوريون أنهم في الاتجاه الصحيح، وأنهم يغلقون نافذة كانت معدة للاستهداف، أو يتم التخطيط لاستغلالها.
هكذا مضت الأشهر وكلما أوغلوا في استهدافهم كان الرد السوري يأتي من حيث لا يتوقعون.. أو من النقطة التي توهموا أنهم مطمئنون إليها.
ما يثير أن اللغة الأميركية التي ستصل أصداؤها تلقائيا إلى عواصم الغرب سترددها العواصم العربية، وهي مدعاة لتأمل جديد في بداية فصل آخر من المواجهة التي لم تنتهِ بعد..
لكن.. السوريون الذين حسموا أمرهم ليس لديهم متسع لمزيد من التأمل.. ولا يرغبون في اضاعة وقتهم بما يصدر هنا أو هناك.. انطلقوا في مشروعهم الاصلاحي ويعملون على تتويج خطواته في حين مواجهتهم مع الارهاب ومسلحيه ومرتزقته تسير بخطا متسارعة.. وفي الحالين ثمة حقائق تفرض نفسها.. ولن يغير التوصيف الأميركي في الأمر الواقع شيئاً.. وللأميركيين في خيبات أدواتهم وفشل مرتزقتهم وعملائهم خير دليل.. فهل يتّعظون؟!!