إذا كان الناطق الرسمي بإسم الحكومة الأردنية راكان المجالي دقيقا وهادفا عندما حدد ملامح مشكلة الفوسفات مساء الأحد فأغلب التقدير أن ميل الحكومة لتشخيص أزمة ملف الفوسفات بشخص واحد حدده الوزير المجالي بالإسم لا يعبر فقط عن خطوة تكتيكية حكومية بقدر ما ينطوي على تنفيذ تعليمات مرجعية وملكية تحديدا تقضي بأن يتحمل المخطئون بصرف النظر عن هويتهم مسؤولية أخطائهم.
ويمكن هنا ببساطة ملاحظة إتهام الحكومة على لسان المجالي لصهر العائلة المالكة رجل الأعمال وليد الكردي بالإسم بالمسؤولية عن ملامح الشبهات في صفقة بيع الفوسفات التي أثارت ولا زالت جدلا واسعا في المحيط السياسي والشعبي الداخلي.
لكن الأهم أن هذا الإتهام الذي أثار إنتباه الجميع برز على السطح بعد عدة أيام من زيارة قام بها، الملك عبد الله الثاني لمقر رئاسة الحكومة مما يرجح بأن خطط الحكومة بإتجاه التحقيق بالفساد ‘مسنودة ومدعومة’ بقوة من المؤسسة الملكية.
أو يعطي الإنطباع بأن عملية التنظيف والتطهير التي أمر بها القصر الملكي علنا قبل عدة أسابيع طلبت من الحكومة ضمنيا بأن ‘لا تجامل’ على حساب العدالة والتشخيص وإلتزمت بقواعد حددها القصر أصلا وأهمها ‘لا كبير على المسؤولية عندما يتعلق الأمر بالفساد’.
معنى ذلك بعد الضوء الأخضر أن الحكومة تتهم سياسيا شخصا محددا تربطه صلات مصاهرة بالعائلة وبإنتظار الإتهام القضائي لتحديد التجاوزات والإجراءات يقول النظام هنا ضمنيا بأن تحقيقات الفساد يمكن أن تطال خلافا للإنطباعات الشعبية أو المغرضة أي شخص تصله شبهات الفساد بدون خصومات أو إعتبارات حتى لو كان المعني صهرا او قريبا أو مقربا للغاية.
ويدلل السياق هنا على أن مؤسسة القرار المرجعية باتت مقتنعة بأن عملية التطهير والتحقيق بملفات الفساد باتت هي القاعدة في العمل بصرف النظر عن أي إعتبارات فيما الحصانة والحماية لا تشمل أحدا إطلاقا فداخل مؤسسات النخبة السياسية لا زال هناك من يعمل ليلا نهارا على التفريق بين عبارة ‘فساد في النظام’ وعبارة ‘فساد النظام’.
مشكلة الجهات التي تطرح أحيانا شعارات الفساد في الشارع أنها لا تحدد ولا تشخص وتستبق كلمة القضاء وبما أن الحكومة فعلت ذلك متأخرة في ملف الفوسفات يثبت الإنطباع بأن ما حصل عموما قد يقترب من صورة شخصية نافذة إستغلت في غفلة من النظام الحكومي علاقات المصاهرة وإرتكبت مخالفات جسيمة، الأمر الذي ألمحت إليه الحكومة عندما تحدثت عن حكومات متعاقبة تتحمل مسؤولية التجاوزات التي حصلت في شركة الفوسفات.
هنا ضمنيا تقول المؤسسات المرجعية بأن تقصير الحكومات في الماضي ينبغي أن لا يكون حجة على النظام نفسه فقد سبق للملك شخصيا أن إنتقد علنا وعدة مرات من يستندون في العمل على عبارة ‘صدرت توجيهات من فوق’.
على الأقل هذا ما أرادت الحكومة وبصورة مرجحة قوله حتى وإن لم تخطط له وهي تحدد لأول مرة متورطا كبيرا في قضية إشكالية يثيرها الشارع بإسم الفوسفات فالمنطق هنا وبعدما صوت البرلمان على القضية يشير الى ان النظام لن يوفر حماية لأي شخص مقرب منه أومحسوب عليه إذا ما ثبت بأن هذا الشخص فسد أو أخطأ.
الأمل بالتالي هو إغلاق الجدل حول ملف الفوسفات عند الزاوية التي إنتهى إليها المشهد فالبطل الرئيسي هو رجل الأعمال المتواجد حاليا خارج البلاد وليد الكردي وفقا للإعلان الحكومي وهو ما ترددت حتى لجنة التحقيق النيابية بإعلانه وقوله عندما إختارت توسيع البيكار ووضع قائمة مشتبه بهم على أسس سياسية فقط.
لكن في الشارع وفي الواقع ثمة قوى لا تريد أولا مصلحة لها في إغلاق الملف فالنواب الذين يلوحون بالإستقالة يخاطبون عمليا الإنتخابات المقبلة ومذكرة النواب الأمس التي تهدد بحجب الثقة عن الحكومة لإنها رفعت أسعار الكهرباء محاولة لإستعادة ‘شعبية’ النواب المفقودة بعد تصويت الفوسفات والحكومة نفسها فتحت ملف الكردي بتوقيت متأخر وبأهداف مفتوحة على كل الإحتمالات. والطريقة التي أدير فيها التعاطي مع ملف الفوسفات من البداية أدخلت الجميع بما في ذلك الشارع والحكومة والنظام والبرلمان في زوايا ضيقة جدا جدا لا أحد حتى اللحظة يملك وصفة للخروج الآمن منها
بسام بدارين -القدس العربي.