صحيح أن عدد شباب الحراك محدود. وهم، كما يحاول كثير من المسؤولين تصويرهم، عشرات هنا ومئات هناك. لكنهم غير محدودي التأثير بالضرورة.
ولربما تمكنت الأجهزة المعنية من رصد عددهم، وأكدت نظريتها بأنهم لا يشكلون شيئا مقارنة بتعداد السكان الذي يتجاوز 6.8 مليون نسمة.
التصريح والحديث حول تواضع عدد المشاركين في الحراك، وتحديدا في المحافظات، في الجلسات العلنية والمغلقة متكرر، ويهدف في كل مرة إلى التقليل من تأثير الحراك وقوته، ومدى تأثيره.وقد يكون القول بقلتهم صحيحا، لكنه لا يعني أنهم غير مهمين وليسوا مؤثرين؛ فهؤلاء العشرات، بحسب تقديرات المسؤولين، شغلوا الأجهزة الأمنية ومراكز صنع القرار والإعلام ليلا ونهارا منذ قرروا الخروج أسبوعيا إلى الشارع للمطالبة بالإصلاح والاحتجاج على سنوات من الأخطاء الرسمية بحقهم.وقد يكون العدد قليلا بالفعل، لكنّ ما يطالبون به،
وكثيرا من الشعارات التي يرفعونها، تعني كثيرا من الناس. فهؤلاء ليسوا وحدهم، وكثيرون يتابعونهم وعن كثب وباهتمام، لأنهم يعبرون عن طموحاتهم وتطلعاتهم.
والتصعيد ضد هؤلاء الشباب الذين خرجوا من بيوتهم مسألة خطيرة، خصوصا أن مطالبهم شرعية. فلا يوجد عاقل يقف في وجه من يدعو إلى محاربة الفساد، وإعادة هيبة الدولة ودولة المؤسسات والقانون، وتشغيل الشباب، والحد من الفقر، وتقليص فجوة التنمية.
الشعارات التي ما فتئوا يرفعونها تصب في صالح المجتمع وتحسن من حياته، كونها تعبر عن حالة من الوعي الجديد التي يجب على الجهات المعنية التعامل معها بكل حرفية وذكاء، خصوصا أن خطط إحباطهم والتشكيك فيهم متواصلة، وفي كل مرة تأخذ صيغة مختلفة، لكنها كلها صارت مكشوفة ومعروفة ولا حاجة لاختلاق قصة في كل مرة للإساءة إليهم.
العاقل في هذه الأيام هو من يدرك أهمية الحراك وشرعية مطالبه، ولا يسعى إلى خوض معارك ضد مكوناته، على اعتبار أنهم أعداء؛ فهؤلاء من أبناء الأردن وشبابه وبناته الذين يحلمون بمستقبل أفضل وأكثر أمانا، وليس من حق أحد الطعن في نواياهم والتعامل معهم على أنهم “قلة متآمرة وغير مؤثرة”، خصوصا أن العامة تطرب لشعاراتهم ويعجبها كلامهم وإنْ لم يكونوا معهم في الشارع والميادين، فهم لسان حال الناس.
الحالة العامة، وما يحدث في المنطقة، تحتم توسيع المدارك وكيفية قياس مدى تأثير هؤلاء الشباب، والتعامل معهم وفق حجم تأثيرهم لا عددهم، خصوصا أنهم تحملوا الكثير من أجل وطنهم خلال الأشهر الطويلة الماضية.
الحراك في الأردن مختلف مقارنة بما حدث في دول عربية مجاورة، وما يزال يطالب بسلمية الإصلاح ويصر عليه، وليس من داع لإخراجه عن طوره والانتقال به إلى مرحلة جديدة، خصوصا أن مراجعة سريعة لطرق التعامل مع ناشطي الحراك وحجم المنجزات كفيلة بذلك.وتفهم مطالب الحراك والحوار معه على قاعدة أن ما يصبو إليه، يصب في صالح البلد.
والمصلحة العامة تقتضي تغليب لغة المنطق والعقل، وتتطلب تغيير ذهنية وشكل التعامل معه، خصوصا أن محاولات تشويه صورة الناشطين مستمرة، ولم تحقق الهدف منها، بل ساهمت في تعقيد المعادلة أكثر.
مساعي التقليل من شأن الحراك في عيون مركز القرار لا تخدم البلد، بل تنتصر لأجندات شخصية، لن تفيد حين تشتد الأمور وتخرج من عقالها
الغد