الأردنيون يستيقظون.. كادحو وكادحات الحمايدة نموذجاً

فقد أمضيت صبيحة أمس مع مئات من العاملات والعمال المضربين أمام مصنع “الصافي” للملابس الواقع الى الجنوب من مأدبا في بلدة مليح, وسبب الاضراب المباشر هو رفض إدارة المصنع المملوك لمستثمر أمريكي دفع الحد الأدنى الجديد للأجور والبالغ 190 ديناراً, مع أن الشركة لم تكن تدفع الحد الأدنى السابق وهو 150 ديناراً, بل توصلت حينها الى صيغة بأن تدفع 110 ديناراً, على أن يضاف اليها مبلغ 35 ديناراً بدل طعام, ظل لفترة طويلة يدفع بشكل مستقل على نفقة وزارة العمل قبل أن تبدأ الشركة بدفعه, فالناس هنا يتداولون فكرة أن المصنع بالاجمال هو “مكرمة” هدفها مكافحة الفقر وإيجاد فرص عمل لأبناء لواء ذيبان, ولهذا فإن المصنع يحظى بإعفاءات كثيرة.

بعد إقرار القيمة الجديدة للحد الأدنى, انتظر العمال ان تنتهي الصيغة الأولى وأن يتلقوا المبلغ الحقيقي مضافاً اليه بدل الغذاء باعتباره بنداً مستقلاً, لكن الشركة ترفض.

العمال أضربوا اعتباراً من صباح الأربعاء الماضي, وأقاموا خيمتهم في الخلاء حيث ان المصنع مقام وسط السهول بعيداً عن السكان.

ظهر أمس وبعد ساعات من الاضراب, قدم الى الموقع مدير عام الشركة برفقة مدير القضاء ومسؤول من وزارة العمل ورجال أمن, وجلس “ضيوف الاضراب” مقابل العمال, ودار بين الطرفين حوار عميق, في هذه الأثناء حصل ما أشرت إليه, حيث أمكن رؤية ولمس الصراع الطبقي بين الفريقين. وقد اكتمل المشهد بغياب النقابة التي تساند الادارة, ولا بأس في ذلك, فمفهوم الصراع الطبقي يوفر مكاناً لمفهوم آخر هو “الخيانة الطبقية”.

مدير المصنع قال للعمال أن أحداً لا يقبل الاستثمار في منطقتكم, وقد رجونا المستثمر الأمريكي حتى قَبِل بذلك, وأضاف إن الاضراب أضر بالمصنع, وقدم في نهاية حديثه خياراً بأن يتم نقل مَنْ يوافق على مواصلة العمل بنفس الظروف, الى فرع آخر للمصنع يقع في سحاب الى أن تهدأ الحال, أي أن يتوقف الاضراب. ثم تحدث مدير القضاء بنبرة أقل حدة لكنها تتفق مع فكرة مدير الشركة وطالب العمال بقبولها, ثم تحدث مسؤول وزارة العمل بلهجة شديدة وأنّب العمال.

بعد لحظة صمت وتبادل نظرات, انفجر أحد العمال وقدّم بلهجته البدوية, مرافعة نقابية عمالية قانونية اجتماعية عميقة الدلالات, وساند بذلك زميلاً له كان قد بادر الى الحديث قبله, لكن المدير هدده بالطرد من الاجتماع.

انفض اللقاء بلا اتفاق وسط تصفيق العمال لموقف زميليهم, وعاد العمال الى حواراتهم الخاصة, والى سرد شكواهم التي لا تنتهي, وهي بالمناسبة لا تقتصر على الأجور فقط, لقد كانت كلمات مثل “عبودية” و”عبيد” تتكرر على ألسن الكثيرين منهم (وهي بالمناسبة كلمات تستخدم اليوم حتى في الأبحاث والدرسات الرصينة في وصف وضع عمال الشركات الغربية العاملة في بلادنا وما يماثلها من بلدان), والواقع أن لدى كل واحد أو واحدة من العاملات قصة معاناة خاصة في ظروف عمل داخلية لا يتصورها إلا من عاشها.

كنت بالأمس شاهداً على حالة نموذجية تمثل نمط النمو الذي ساد في البلد في السنوات الأخيرة, غير أنني كذلك كنت شاهداً على حالة من الاستيقاظ تتصاعد يومياً في الأوساط الشعبية, وهو استيقاظ على معنى الحقوق والوجبات, وهذا يعني ان الأردنيين عرفوا الطريق نحو إعادة بناء وطنهم بما يكفل له ولهم مكان في هذا العالم.