بدأ المشهد في البلاد يأخذ منحى جديدا، وتحديدا عقب موقف النواب من تقرير لجنة الفوسفات.
قنبلة الفوسفات التي فجرها النواب الأسبوع الماضي تركت أثرا شعبيا بالغ الخطورة، خصوصا وأن تفاصيل التحقيق النيابي ونتائجه سقطت فجأة على مجتمع يعاني أصلا من إحباط ولا يثق بالسلطات ومؤسساتها.
من خطط لعملية إحباط ملف الفوسفات أخطأ كثيرا، وحقق نتيجة واحدة هي زيادة المطالب الشعبية بمحاربة الفساد، والتشكيك أكثر بصدقية المجلس الذي قصر عمره وعادت المطالبة برحيله إلى الواجهة.
ومن فكر في تجاوز نتائج التقرير ودفنها بهذه الطريقة، لم يحسب النتائج بشكل دقيق؛ إذ ظن (واهما) أن اتخاذ مثل هذا القرار سيسكت الناس ويقنع الرافضين بموضوعية النواب ونبل موقفهم، واعتقد أن الناس ستصدق التصويت وتكذب دموع الشقران!.
ومن اتخذ مثل هذا القرار لم يعرف المجتمع، وفشل في قراءة دواخله، حين ظن أن مثل هذا التوجه سيحل المشكلة، ولا شك انه لم يعرف حين خطط أن تصرفه سيزيد الطين بله، ويجعل المجتمع أكثر تطرفا، وهذا ما حدث.
اخطر ما نجم عن القنبلة النيابية أنها فاقمت فجوة الثقة بين الشارع والسلطات وتحديدا النواب، الذين ظهروا بمظهر المتخاذلين والمتواطئين والضعفاء، حين أججوا الشارع بموقفهم من التقرير، ما أعاد إلى الواجهة توصيف مجلس الـ 111 وغيره.
لن أتحدث في تفاصيل التقرير النيابي، إذ يبدو الأهم اليوم التدقيق في النتائج التي خلفها على مزاج عام مليء بالشكوك والفوضى.
التخفيف من تبعات ما حدث تحت القبة يحتاج إلى إعادة حساب لما جرى وتقييمه، ولربما يساعد المضي في المسار الثاني من التحقيق في ملف الفوسفات والذي تشرف عليه هيئة مكافحة الفساد، وهو ما تم، بتقويم قليل من الإعوجاج والتخفيف من الدمار الكبير الذي خلفته، خصوصا وان تصويت النواب على ملف الفوسفات تزامن مع اعتقال شباب من الحراك ضاعف من سوء الحال.
وكيفية تعامل النواب مع ملف الفوسفات، في وقت يعتقل شباب أبرياء لا يطمحون إلا لإصلاح الحال، قدم عاملا إضافيا لغضب هؤلاء الشباب.
إصلاح الخطأ يحتاج إلى خطوات جريئة وسريعة في الوقت ذاته من قبل الحكومة لاستعادة جزء من حقوق البلد التي ضاعت في اتفاقية الفوسفات، خصوصا ما يتعلق بالضرائب المفروضة على قطاع التعدين بشكل عام، ورسوم التعدين، إضافة إلى مراجعة قيمة الرسوم المدفوعة على استخراج كل طن، وهي بكل الأحوال مجحفة.
وعلى الجميع التأني في قراءة المزاج الشعبي الذي يبدو أن الكثيرين غير قادرين على فهمه، بحيث تتم معالجة كثير من الاختلالات التي ألمّت بطريقة التعامل معه، لدرجة تكاد تخرجه عن طوره.
ومعالجة جزء من آثار ما حدث تتطلب شجاعة غير مسبوقة بالاعتراف والتصريح من قبل المسؤولين السابقين الذين أداروا العمل العام في مراحل سابقة، بحيث يتحملون جزءا من مسؤولياتهم، التي طالما تخلوا عنها وحمّلوا تقصيرهم لمجتمع كسول لا يحب العمل بحسب زعمهم، وهو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم من قهر وفقر وجوع وبطالة.
خلال الربيع الأردني كاملا، لم نسمع من مسؤول سابق واحد خرج ليفسر أو يبرر أو يدافع عما اقترفت يداه، وفي هذا أنانية كبيرة تتحمل الدولة كلفها، فيما هم ما يزالون يختبئون في مكاتبهم الوثيرة، ويعملون في الخفاء لإبعاد نير الغضب الشعبي عنهم، وتوجيهه باتجاه آخر.
المشكلة أن المعارك الصغيرة التي تدار هنا وتحبك هناك في سبيل تقويض الحراك تفشل في كل مرة، وتجعلنا نبتعد عن معركة البلد الكبرى وهي الإصلاح، ما يدخلنا بشكل متكرر في سيناريوهات صعبة ومعقدة، فإلى متى؟