تتعجب من حكوماتنا المتعاقبة،لان أكثر من حكومة عبرت السنين الماضية، فكرت برفع الأسعار، في شهر نيسان برغم مالهذا الشهر من دلالات ماثلة في الذهنية العامة.
ارشيفية نيسان في الاردن 1989
جاء من يقول للحكومات المتعاقبة ان لشهر نيسان حساسية خاصة في الأردن، تذكيراً بما جرى عام تسعة وثمانين،حين خرج الناس إلى الشوارع في غضب بالغ؛ احتجاجاً على رفع الأسعار، وان الأفضل تجنب ذكرى الشهر، في اتخاذ قرارات صعبة.
هذه المرة تؤجل الحكومة عدة قرارات إلى شهر نيسان، من بين ذلك اعادة تعريف أثمان الكهرباء، وهناك قرارات أخرى سيتم اتخاذها خلال شهر نيسان المقبل.
واقع الحال يقول ان لشهر نيسان حساسيته البالغة في تاريخ البلد،وليس من المنطق أبدا، انعاش الغضب لدى الناس في هذا الشهر.
لايعني هذا دعوة الحكومة الى تأجيل قراراتها الصعبة الى شهر ايار او حزيران، فالمشكلة في جوهرها ليست الموعد وحسب، وليست فقط رش الملح على جرح نيسان القديم، بل أخطر من ذلك بكثير.
قيل للحكومات مرارا ان عليها ان تجد وسائل للتخفيف عن الناس، بدلا من منطق الجباية، وجمع المال، الذي ادى الى شطب الطبقة الوسطى، وحرق الطبقة الفقيرة، وايصال الروح المعنوية للناس الى ادنى درجاتها.
حكوماتنا عموما لا تبادر ولا تبدع في الحلول، فلماذا لا توزع أراضي الدولة الشاسعة على الناس، لماذا لايتم منح كل عسكري او مدني عاملا او متقاعدا نصف دونم من الأرض في منطقته، من اجل ان يبني فيها حين يحصل على مال اسكانه؟!.
لماذا لايتم التخفيف عن الناس بتحسين شروط القبول في الجامعات،على سبيل المثال،ولماذا لايتم التخفيف عن الناس بالسعي لفتح آفاق لهم للعمل في دول كثيرة، او لحصولهم حتى على تأشيرات للسفر الى دول كثيرة بحثا عن عمل؟!.
فوق ذلك لماذا لايتم تصحيح السياسات الخاطئة،حين يتم خفض الضرائب على ارباح المصارف حتى يربح اصحاب الاسهم و60 بالمئة منهم من المستثمرين العرب،ولماذا يتم نفخ ارباح الحيتان،مقابل فقر الأردني،وحاله الصعب؟!.
لماذا لايتم تصحيح قانون ضريبة الدخل،حتى يصبح اكثر عدالة،ولماذا لا تتم الاستفادة من اقبال العرب والاجانب على شراء العقار والأرض في الأردن، بدفع مبالغ اضافية للخزينة يتم استعمالها لرفد صناديق الاسكان المدنية والعسكرية؟!.
ايضا، لماذا لاتتم المبادرة بتحريك أموال الأردنيين في الداخل،ولماذا لايتم التدخل لمساعدة الناس بالحصول على قروض دون فوائد، من أجل مشاريع صغيرة، بدلا من وقوفهم في طوابير الانتظار والضياع؟!.
البلد الذي يسبح فوق بحيرة ماء، وفيه موارد لاتعد ولاتحصى، من الفوسفات والبوتاس والأملاح والزراعة والآثار والسياحة واليورانيوم والصخر الزيتي،وغير ذلك،كيف يعيش فقيراً ومتعثراً في ظروفه،دون ان نجد سعياً فاعلا لانعاش حياة الناس؟!.
قضايا كثيرة يمكن فتح ملفاتها،لو توفرت النية لانعاش البلد من الداخل، لكننا بدلا من ذلك نبحث عن الحل الاسهل،اي الجباية، ولانجد إلا شهر نيسان لاتخاذ هذه القرارات،وكأننا نستفز الناس عامدين،ونقول لهم هذا الذي تنزّل عليكم قدراً وقضاء.
لشهر نيسان حساسيته في الذاكرة الوطنية الأردنية، لكننا لانشرعن هنا،لترك نيسان حتى يمر، فننفذ في ايار او غيره،ما كنا نعتزمه في نيسان، فهذا تذاكٍ أشد سوءا،من هبوط القرارات علينا في هذا الشهر.
نيسان قريب،وعلى كثيرين ان يتوقفوا قليلا عند الذكرى،وان نبحث عن حلول للناس،بعيدا عن رش الملح على جروحهم
ماهر ابو طير – الدستور.