سارت برقة على النهج الذي رسم لها ولليبيا بشكل خاص وللدول العربية بشكل عام من قبل الدول الغربية التي تسعى جاهدة لتقسم الدول العربية، برقة أعلنت الأسبوع الماضي أنها تتمتع بحكم فيدرالي اتحادي، أي أن القائمين على هذا المشروع قد وضعوا أساس دولة برقة المستقلة، فهل نبارك للعرب مولودتهم الصغيرة، أم نعزيهم في فتات دولة عربية أخرى بعد سلسلة إعلان الدويلات وتقسيم ممنهج تتعرض له الدول العربية منذ أن استقل اقليم كردستان العراق عن العراق، واستقلال جنوب السودان عن شماله، وغزة عن رام الله والدولة الفلسطينية.
أيام منذ أن أعلنت برقة أنها تتمتع بحكم ذاتي، ولم تنطق أي دولة عربية ببنت شفة! وحتى جامعة الدول العربية صامتة بشكل مخيف يوحي بعجزها عن التعليق، عما تراه، فمثلما عجزت عن التدخل في تقسيم السودان وانفصال كردستان، ها هي اليوم صامتة أمام انفصال برقه الليبية.
أمس الأول غداة إعلان منطقة برق’ إقليما فيدراليا اتحاديا توعد مصطفى عبد الجليل رئيس السلطة الانتقالية في ليبيا بالقوة لمنع تقسيم ليبيا، وبدورهم أكد انفصاليو برق’ أمس أن قرارهم الانفصالي لا رجعة فيه، هذا ما يؤكد أن الوضع الليبي يسير نحو حرب أهلي’ طاحنة، فالمليشيات المسلحة تتحكم الآن كل بمنقطه، والسلاح منتشر بيد الصغير والكبير الشاب والهرم، إضافة الى المسلحين من خارج ليبيا الذين تسللوا إليها بعد سقوط نظامها السابق.
ليبيا بعد القذافي، وبعد أن دكها الناتو بمختلف أنواع الاسلحة وبعد أن أصبحت تستجدي بأن ترفع عنها العقوبات وأن يفرج عن أموالها بالبنوك الغربية، أصبحت اليوم أمام نذير حرب أهليه، وأمام تقسيم يبدو أنه أصبح حقيقة، فبرقة المنطقة الغنية بالنفط بيدها الكثير من الاغراءات للغرب لكي يحميها ويحمي انفصالها، فمثلما أغرى المجلس الوطني الانتقالي الليبي الغرب ليساعدوه على تصفية القذافي، اصبح من غير المستبعد أن تحذو برقة حذو المجلس الوطني وتستعين بالغرب ليمكنها من بسط انفصالها، وأيضا اعتراف الدول العربية بها، وهذا أمر سهل جدا فالدول العربية جاهزة لقبول أية املاءات غربية وبلا شروط.
عندما يكون السلاح هو المتحكم في سير الأمور فإن النتائج دائما ما تكون كارثية، فأين ما وجد السلاح وجد التنافر والقتل والعصبية وتحكيم القوة بدل العقل، ليجب أي مجيب ماذا كان العرب يتوقعون أن تصبح ليبيا بعد القذافي؟ دولة مسلحة ومليشيات وأسلحة بالأطنان وتمويل من الخارج وارهاب، وقبلية تتناحر كلها فصول اجتمعت في ليبيا لتعيش الوضع الحالي، ناهيك عن الأطماع الأجنبية التي تتربص بها فهل كان العرب ينتظرون بأن تكون دولة ديمقراطية قوية متماسكة والسلاح هو الفيصل في كل الأمور؟.
كثيرة هي الدروس التي من المفترض أن يتعلم منها العرب مدى فداحة التدخل الخارجي في شؤون الدول والمصير الذي سيؤول إليه، لكنهم للأسف لا يتعلمون من التجارب أبدا، فهاهم اليوم ينادون بضرورة تسليح المعارضة السورية، وقريبا سوف يقولون، بل بعضهم قد قال وأعلن للغرب بضرورة التدخل في سوريا، وحماية المدنيين هناك، كيف ننادي بضرورة تسليح المعارضة وفي المقابل ننادي بحماية المدنيين؟.
نتذكر كلنا الأيام الأولى عندما طلب المجلس الوطني الانتقالي الليبي من حلف ( الناتو) أن يتدخل لما سمي (منع نظام القذافي من قتل المدنيين)، وما حصل حينها من دك للبنية التحتية الليبية وضرب أهداف مدنية وقتل الأطفال والمدنيين والشيوخ والنساء ؟ من هذا الذي يطلب من الناتتو أن يتدخل ومن ثم يستطيع التحكم فيه وفي أهدافه التي يضربها، الناتو كان قادر على قتل القذافي بصاروخ واحد، لكنه ماطل وذهب ليضرب نقاط مدنية وبنية تحتيه حتى تتعاظم الفاتورة التي سيدفعها الليبيون للناتو وأيضا إلحاق أكبر ضرر بالبنية التحتية حتى تبقى ليبيا دولة تستجدي غيرها لاعمارها وتكون مديونة بفاتورة طويلة عريضه للغرب، وبذلك يتحكمون فيها وفي مقدراتها، هل بالفعل العرب لا يتعلمون من الدروس نا أن هناك ما لم نفهمه بعد ، ونحن بحاجة إلى أن تقوم جامعة الدول العربية بافهامنا إياه ؟.
الآن ومع ما تعيشه ليبيا هناك استفهامات تطرح نفسها، وهي أين أحباب الثوار اليوم؟، أين دعاة الثورات، أين هم؟ ما بهم صامتون وليبيا تتقسم؟ وليبيا تتفتت الى دويلات وتتشرذم مثلما تشرذمت قبلها دول؟ أين القنوات الفضائية المحرضة التي اشعلت الفتيل ووقفت مع الثوار حتى قتل القذافي، ماذا كان هدفها؟ هل هدفها اسقاط القذافي فقط، أم قيام دولة ليبية قوية ديمقراطية متماسكة موحدة؟ اذا كان هدفها إسقاط القذافي فقط فالقذافي سقط، اما اذا كانت وقفتها للمساعدة على قيام دولة ديمقراطية قوية فإن هذه الدولة لم تقم بعد ،بل ها هي تسقط وتتقسم، فاين هم أصدقاء ليبيا من هذه المحنة؟ هل سيقفون معها في محنتها التي تلوح بالأفق وتنذر بحرب أهلي’ وانقسام؟ أم سيتركونها للمجهول يتناحر فيها أبناء الشعب الواحد مع بعضهم البعض ويعتبرون هذا التناحر جزءا من العملية الديمقراطية والحرية التي أرادوها لليبيين، حرية أن يتقاتل الليبيون؟!.