مما لا يختلف عليه اثنان في هذه المرحلة التي يمر بها العالم، أن الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، قد أسقط كل الأقنعة الزائفة التي كانت تغطّي وجهه، حيث بدا أنه يمثّل، بكل امتياز، الوجه الأمريكي البشع الذي، أصلاً لم نعرف غيره، لا نحن في العالم العربي، ولا أهل العالم الإسلامي، ولا سكان الكوكب الأرضي كلهم.
الذي استمع لهذا المتهافت على الفوز بفترة رئاسيّة ثانية، يدرك تماماً أن الرُّخص وبيع القيم والذمم تجسّدت فيه أكثر من كل رئيس أمريكي سابق. فما نسمعه منه هذه الأيام هو طرح مختلف تماماًَ عمّا كنا نَسْمعه منه إبّان حملته الانتخابية الأولى، حيث كان ينادي «بالتغيير»، بينما في حملته الحالية فإنه يدعو إلى «التكفير» بكل المصالح العربية والإنسانية في سبيل استجداء أصوات اليهود في أمريكا. وإلاّ فهل يُعقل أن يُوصِلَ شخص عاقل مدرك يمتطي صهوة حكم أكبر دولة في العالم، مدى التزام بلاده بإسرائيل إلى مستوى القداسة؟ أي أن الواجب الأمني والسياسي والاقتصادي والثقافي والفكري والاجتماعي الواقع على عاتق أمريكا تجاه إسرائيل، يوازي تماماً كل المزامير والأناجيل التي نزلت على سيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهما السلام، إذ أنهما الحقيقتان الوحيدتان اللتان يمكن إطلاق القداسة عليهما.
ويذهب أوباما إلى أبعد من ذلك، فيؤكد أن هذا الالتزام هو مصلحة أمريكية أساسية فرضتها المصالح والأفكار المشتركة، وأن بلاده لن تتردد في استخدام كل أنواع القوّة في سبيل خدمة مصالحها. ويؤكد بكل وضوح ومباشَرَة أنه لم يكن هناك رئيس أمريكي أوضح منه في إبداء الدعم الأمريكي لإسرائيل. حتى مفهوم السلام، يؤكد أوباما، أنه لا يمكن إلا أن يكون السلام الذي يخدم إسرائيل. بل وتجاوز ذلك ليقول إن البحث عن المصالح الإسرائيلية، في نظره، هو أهم من البحث عن أية صيغة سلام في المنطقة.
بعد كل هذا الكلام الواضح، والطرح المباشر، هل يمكن لأي مواطن عربي أو مسلم ألاّ يثق بأن كل الصداقات مع أمريكا آتية عبر المنافذ التي تخدم إسرائيل فقط؟ وهل يمكن لأي عربي أو مسلم أن يرى في الولايات المتحدة الأمريكية إلاّ عدّواً أكثر قبحاً من إسرائيل ومن كل الاستعمارات التي شهدناها في منطقتنا؟
الآن وبعد أن انكشفت كل جوانب صورة السياسة الأمريكية، فكيف لنا أن نذهب، ولو لشبر واحد، مع التحرك الأمريكي تجاه المنطقة؟ وكيف لنا أن نظل سادرين في غيّنا، ندفن رؤوسنا في الرمال، ونقول إن أمريكا هي قائدة العالم؟ لماذا لا نبدأ الآن، بعد أن تأكدت لنا كل حقائق الموقف الأمريكي حيال قضايانا، باسترداد ما فقدناه من مصالح ومبادئ وقيم، ونعود لنرمم مواقفنا، ونوحّد جهودنا لنقول لأمريكا، ولكل دول الاستقواء في العالم، إن لنا مصالحنا التي سندافع عنها، ولنا كرامتنا التي سنذود عن حماها؟
فقط أريد أن أسأل أسئلة مملوءة بالنهم السياسي والأخلاقي، ماذا سيقول أي زعيم عربي يلتقي أوباما بعد اليوم في البيت الأبيض، نحن العرب بالذات، من كل الأكاذيب والخيانات «والضحك على الذقون» التي تلقيناها من كل زعماء أمريكا منذ نشأتها إلى اليوم؟ لا أعلم فعلاً من أي شيء مصنوع هذا العقل العربي المهزوم والمكلوم الذي بات يحب أن يبيت مظلوماً ومقهوراً ومهزوماً؟
أسئلة مبررة بعد أن أصبحنا فعلاً لا نميّز بين أيهود باراك وبين باراك أوباما، بعد أن تجاوز الثاني الأوّل في خدمة إسرائيل.