من سخرية القدر أن يظهر الإسرائيلي صدمة إزاء الوقائع العسكرية والأمنية الدائرة في سوريا، حتى أن بعض قيادييه يبدي ألما او اشمئزازا ويعلق نصائح للسوريين، ويكاد يذرف الدمع حزنا على من يسقط. إنها النكتة السوداء التي تفوح منها رائحة الغرابة بل هي غريبة تماما اذا ما قورنت بالتاريخ الاجرامي لدولة إسرائيل العنصرية.
تحتاج بعض الدول مثلما هي حاجة الأشخاص إلى مرايا تنظر فيها لترى واقعها على حقيقته. ربما تخاف من صورة الدم الذي يملأ يديها ووجهها، وتخاف أكثر من عقاب الشعوب التي قتلتها أو أودعتها عذاب السجون والمنافي. ليس يصلح العطار ما أفسده الدهر، بل ما أفسدته تلك الأيدي التي جارت على شعوب مظلومة، منها من خسر بلاده كالفلسطيني، ومنها ما دمرت بيوته وممتلكاته كاللبناني، ومنها ما احتلت أرضه وانتهكت ثرواته مثل العراقي وقبله الأفغاني والحبل على الجرار اذا اعتبرنا أن الدول المعتدية لا تتعلم من تاريخها الأسود.
ومن السخرية أن نسمع كلاما من دول لا تملك الحق في الكلام، إن تتحدث عن حقوق الانسان وعن معاناته متجاهلة إنها السبب في ذلك، ومهما حاول المفسرون ابعاد تلك الدول عما اقترفته لأسباب شخصية او مادية، فان النظام العالمي بات مفضوحا مهما حاول التستر والتخفي وراء جمل مضحكة وفيها الكثير من تلك السخرية المرة.
لن يكون العالم بأحسن أحواله طالما أنه مطية للقوي الذي تمده ظنون العظمة بالايحاءات الدائمة أن ما يفعله إنما هو تعبير عن قيم يفترض بالآخرين تنفيذها، سواء باللين و بالقوة. فهل يحق لذاك الاسرائيلي المقيم في مستنقع الدم أن يتحدث عن الصدمة ازاء ما يجري في سوريا، او يحق للأميركي أن يتحدث عن الحرية وهو الذي احتل بلادا وتعامل مع انسانها كأنه فائض بشري لا لزوم له في معركة الحياة. أليست العراق نموذجا وكذلك أفغانستان، أليس لبنان بما عرفه دمارا وقتلا من صنع تلك المواهب المعجونة بالقتل والتدمير .. أليست غزة واحدة من الشواهد على أثم العصر الذي تنتمي إيه تلك الدول التي تسمي الآخر بالمارق وهي أثر ما ينطبق عليها الاسم والفعل.
لن تكون الدنيا بخير اذا ماتحدث الجلاد عن المظلومية وعن الحقوق، أو أن يئن القتيل قبل موته فيقال بأن الحق عليه كونه طالبا بحقوقه المشروعة سواء في وطنه أو في مطالبه المحقة. سيظل الحق على المقتول إلى أن تنصت ادارة الحياة الى الحقيقة والمنطق، وهو مالن يحصل في هكذا تركيبة عالمية تتدرب كل مرة على إثم جديد وتحاكي دائما جلاوزة التاريخ في شتى أسمائهم.