انتصر بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل في جميع المواجهات التي خاضها ضد الرئيس الامريكي باراك اوباما، وهناك مؤشرات قوية تفيد بأن المواجهة الاهم والاخطر بين الرجلين التي ستتم يوم الاثنين المقبل في البيت الابيض حول كيفية التعاطي مع الملف النووي الايراني لن تكون استثناء.
ادارة الرئيس اوباما دشنت عهدها في السلطة بالقول ‘فلسطين اولا’ كرد على شعار نتنياهو الذي يؤكد ان ‘ايران اولا’، وكان له ما اراد، فقد تخلى الرئيس الامريكي عن مطالبته بوقف الاستيطان كشرط لبدء المفاوضات، ولحس وعوده بإقامة دولة فلسطينية، والتبشير بوجودها عضوا في الامم المتحدة في دورة جمعيتها العامة الاخيرة، وذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما هدد باستخدام ‘الفيتو’ لقتل طلب الاعتراف بعضوية فلسطين الذي تقدم به الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى مجلس الامن الدولي في ايلول (سبتمبر) الماضي.
اوباما، وباختصار شديد اذعن لجميع طلبات نتنياهو دون تلكؤ او ابطاء، لأن الاول يعرف كيف يقلص حجمه، ويعمل على تركيعه من خلال سلاح اللوبي اليهودي الثقيل ونفوذه الكاسح في الكونغرس، وباقي دوائر صنع القرار الامريكية الاخرى.
مهمة نتنياهو الجديدة في واشنطن لن تكون اصعب من مهماته السابقة، لسبب بسيط، وهو ان الخلاف بينه وبين مضيفه الرئيس اوباما ليس على مبدأ توجيه ضربات تدميرية للبرامج النووية الايرانية، وانما حول توقيت هذا العدوان، فنتنياهو يريده فورا، او الشهر المقبل (نيسان ـ ابريل)، مثلما حذر ليون بانيتا وزير الدفاع الامريكي، بينما يرى اوباما ضرورة اعطاء وقت لكي تعطي العقوبات الاقتصادية اكلها في اضعاف النظام الايراني، سواء لتفجير ثورة داخلية ضده، او لدفعه الى تجميد انشطته النووية، على غرار ما حدث مع كوريا الشمالية، واذا لم يتم تحقيق اي من الهدفين المذكورين فلا مناص من اللجوء للخيار العسكري.
نتنياهو لا يحبذ الانتظار طويلا، ويتصرف بغطرسة في تعاطيه مع الرئيس الامريكي، ويستند في كل ذلك الى ‘انجازات’ تستند اليها حكومته عبّر عنها بوضوح آموس يادين قائد الاستخبارات العسكرية الاسبق وأحد الطيارين الثمانية الذين نفذوا الهجوم على مفاعل اوزراك العراقي عام 1981، عندما قال في مقال كتبه في صحيفة ‘نيويورك تايمز’ في عددها امس ان اسرائيل دمرت هذا المفاعل، مثلما دمرت مفاعل دير الزور السوري دون اي خسائر، ودون اي اعراض جانبية، او ردود انتقامية، ولكنه نسي او تناسى ان اسرائيل نفسها انهزمت في عام 2006 عندما شنت عدوانها على لبنان، وفشلت في انهاء المقاومة فيه.
‘ ‘ ‘
ومن المفارقة ان الرئيس الامريكي بدأ يمهد لاستسلامه امام نتنياهو ورغباته قبل وصول الاخير الى واشنطن، فقد اعلن امس ان أمن اسرائيل ‘مقدس’ بالنسبة الى الولايات المتحدة الامريكية، ومن المتوقع ان يتنازل اكثر في خطابه الذي سيلقيه في مقر اللوبي اليهودي الامريكي (ايباك) الذي سيلقيه يوم الاحد.
ايران في المقابل تبدي رباطة جأش، وتهدد بأنها سترد على اي هجوم تتعرض له بضرب اهداف امريكية اينما كانت، بالاضافة الى اسرائيل نفسها، ولا نعتقد انها ستعجز عن ايجاد هذه الاهداف، فهناك جنود امريكيون في كل من العراق وافغانستان، وهناك قواعد امريكية في الكويت وقطر والامارات والبحرين، وفوق كل هذا وذاك آبار النفط ومصافيه، ومضيق هرمز، ولا ننسى في هذه العجالة التلميحات الايرانية بتفعيل الخلايا الايرانية التي لا تنام ابدا في منطقة الخليج. اما صواريخ حزب الله التي يقال انها تزيد عن اربعين الف صاروخ فحدث ولا حرج، وهي صواريخ مجربة على اي حال.
الخبراء منقسمون تجاه كل هذه التهديدات الامريكية والاسرائيلية، رغم عمليات حشد الاساطيل وحاملات الطائرات والغواصات النووية في مياه الخليج الدافئة. فهناك من يقول انها مجرد حرب نفسية، وحيل متعارف عليها لارهاب الايرانيين ودفعهم الى التراجع عن طموحاتهم النووية، تماما مثلما فعلت كوريا الشمالية التي جوّعها وانهكها الحصار الاقتصادي الخانق، ويكررون المثل العربي الذي يقول ‘من يريد ان يضرب لا يكبّر حجره’. في المقابل هناك رأي آخر يؤكد ان الاسرائيليين حددوا موعد الهجوم، وبالاتفاق مع واشنطن، وان كل ما يتردد عن معارضة ادارة اوباما للضربة هو قنابل دخان للتضليل فقط.
الاسرائيليون ورطوا الامريكان في حرب استنزاف في العراق، واخرى في افغانستان تحت عنوان القضاء على الارهاب، وخسرت فيهما، ويبدو انهم سيورطونها في حرب ثالثة اكثر خطورة في ايران، بحجة الخوف من امتلاكها قدرات نووية تهدد اسرائيل، ويمكن ان تتسرب الى جماعات ارهابية.
‘ ‘ ‘
اوباما ابتلع الطعم الاسرائيلي الجديد مسبقا، واعلن امس ان مساعدة اسرائيل للحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة هي ‘مهمة امريكية مقدسة’، لا يمكن التراجع عنها.
ماذا يعني هذا الكلام؟ انه يعني وبكل بساطة تجديد تعهداته بمنع ايران من امتلاك اي قدرات نووية يمكن ان تنهي التفرد الاسرائيلي في هذا المجال.
نتنياهو سيعود فائزا من رحلته الاخيرة الى واشنطن قبل الضربة المتوقعة لايران، فإذا قبل حجة اوباما بتأجيل الموعد، فإنه ‘سيبتز’ ادارته للحصول على المزيد من الاسلحة الحديثة والمساعدات المالية، واذا اقنعه بقبول وجهة النظر الاسرائيلية بضرورة التسريع بالضربة، وهذا اكثر ترجيحا، فإن هذا يعني توظيف كل الامكانيات الامريكية العسكرية الهائلة في خدمة الاهداف الاسرائيلية.
اين نحن العرب من كل هذا.. صفر على اليسار، او هشيم ينتظر عود الثقاب، الاسرائيليون والامريكان يدّعون الخلاف على التوقيت فقط، ونحن آخر من يعلم، رغم ان الصواريخ والقذائف قد تنهال على رؤوسنا من كل الاحجام ومن مختلف المناطق.
القادة العرب منشغلون بربيعهم العربي، وامريكا التي وضعوا كل بيضهم في سلتها، وخسروا الروس والصينيين دون ان يكسبوها، لا تعبرهم، ولا تتشاور معهم او تستشيرهم، فمتى يستشير الجلاد الضحية؟!