كشف رئيس هيئة مكافحة الفساد مؤخرا ، عن حقيقة المعركة الشرسة التي يخوضها القضاء مع الفاسدين والمفسدين، بعد أن غطى الفاسدون فسادهم قانونيا، وسدوا المنافذ والثغرات، التي من شأنها كشفهم وادانتهم ، بمساعدة مستشاريهم القانونيين ، مقابل رواتب خيالية وأعطيات جزيلة ..!!!
الفاسدون والمفسدون لم يكتفوا بانهم طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد، بل قاموا بتشريع القوانين والأنظمة للتغطية على جرائمهم ، وللتغطية على هذا النهج المشين ، ليسدوا الطريق على القضاة والمحامين وعلى العدالة .. وهو ما يفسر أسباب التعثر في ملفات الفساد ، ومراوحتها في مكانها، رغم أن الحديث عن الفساد هو الحديث اليومي للمواطنين ، والحدث الطاغي على فعاليات الحراك الشعبي منذ أكثر من عام ، ولا يزال.
ان الصورة التي رسمها “بينو” للفساد والفاسدين .. تفتح عيون المواطنين وعيون الوطن على حقبة مهمة ، لم يخطر في بال الجميع أن تبلغ هذه الدرجة من السوء، بأن يقدم من أؤتمن على الوطن والمواطنين بخيانتهم، وتسخير مراكزهم للتزوير والتزييف وقلب الحقائق ، وتشريع القوانين التي تحميهم ، وتقلب الحقائق ، فيصبح الفاسد أمينا شريفا، والأمين متهما ومطعونا في شرفه. والصادق كاذبا ، والكاذب الأفاق في منتهى الصدق والوفاء.
ان ما قام به الفاسدون المفسدون .. يكشف أبعاد حالة الفساد التي تغرق فيها البلاد والعباد، والكارثة التي الحقوها بالوطن والمواطنين .. وقد اغرقوا الوطن بالمديونية، واستنزفوا الخزينة ، وسرقوا الموارد ، وباعوها بثمن بخس، وأشاعوا وهذا هو الأهم.. نهج الفساد والسرقة ، فأفسدوا الضمائر، وشوهوا القيم النبيلة ، وكرسوا الأنانية، وطول اليد ، والتسلق من فوق القوانين، وازدراء الحق ، والتطاول على الشرفاء… وخلقوا طبقة من الفاسدين والمفسدين، لها أتباعها ، ولها أزلامها، مشكلين مركز قوة.
ورغم كل ذلك، نعتقد جازمين أن القضاء الاردني المشهور بنزاهته وكفاءته، والمحامين الأفذاذ المعروفين على مستوى العالم العربي بقدرتهم واقتدارهم وخبرتهم وسعة اطلاعهم ، قادرين على تفكيك هذه الالغام ، وتجنيب البلاد والعباد أثارها القاتلة.
وفي هذا الصدد، فلا بأس من الاشارة الى التجربة المصرية ..فالفاسدون مدرسة واحدة ، وإن اختلفت احيانا الوسائل والاساليب، فالنائب العام المصري شخص حالة الفساد المصرية ،مؤكدا في كل ذلك أن انتشار الفساد ، والتباطؤ في كشف الفاسدين ومحاكمتهم ، يرجع الى مجموعة من القوانين التي شرعوها ابان حكمهم ،وأسهمت في التغطية على فسادهم ، لا بل والتشريع لهذا الفساد. مؤكدا أن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق الخطير .. هو تشريع قانون “ من أين لك هذا”؟؟ فهذا القانون هو بمثابة كلمة الحق التي تبطل سحر وأباطيل الفاسدين، ضاربا المثل بأن مجموع رواتب وأعطيات مبارك منذ أن دخل الكلية الحربية ،حتى طرد من رئاسة الجمهورية ، ووفقا لسجلات المالية ، تبلغ حوالي اربعة ملايين جنيه ، فمن أين جمع هذه الثروة الطائلة واشترى هذه العقارات والفلل في مصر وغيرها.؟؟
باختصار…سيبقى الحديث عن مكافحة الفساد يراوح في مكانه، ما لم تقم الحكومة والنواب، بتشريع قانون “من أين لك هذا “؟؟ .
ولكل حادث حديث.
الدستور